الأنصاري قدسسره في الحكم بحرمة المخالفة القطعيّة ، ولقد أجاد فيما أفاده في بيان ذلك ، حيث جعل قدسسره المقتضي عموم دليل تحريم ذلك العنوان المشتبه ، كقول الشّارع ـ مثلا ـ «اجتنب عن الخمر» فإنّه يشمل الخمر الموجود المعلوم المشتبه بين اثنين أو أزيد ، ولا وجه لتخصيصه بالمعلوم تفصيلا ؛ وجعل قدسسره عدم المانع حكم العقل بعدم المنع عن التّكليف عموما أو خصوصا بالاجتناب عن عنوان الحرام المشتبه ، والعقاب على مخالفة هذا التّكليف ؛ وكذا حكم الشّرع ؛ إذ لم يرد فيه ما يصلح للمنع عدى ما ورد من قولهم : «كلّ شيء حلال حتّى تعرف أنّه حرام بعينه» ونحوه ، وهذا كما ترى لا يصلح للمنع ؛ بداهة ، أنّه كما يدلّ على حلّيّة كلّ واحد من المشتبهين ، كذلك يدلّ على حرمة ذلك المعلوم إجمالا ، لأنّه ـ أيضا ـ شيء علم حرمته. (١)
ولا يخفى : أنّ هذا الدّليل (وجود المقتضي وعدم المانع) بعينه جار في الحكم بوجوب الموافقة القطعيّة ، فالمقتضي موجود هنا ، كما مرّ ، والمانع مفقود ، إذ لا تعمّ الأطراف أدلّة البراءة العقليّة ، لكون العلم الإجماليّ بيانا ، كالتّفصيليّ ؛ ولا أدلّة البراءة الشّرعيّة ، إذ موضوعها هو الشّكّ ، والعلم الإجماليّ رافع للشّكّ.
هذا كلّه مضافا إلى أنّه وردت روايات عديدة دالّة على وجوب الاحتياط في موارد العلم الإجماليّ.
منها : ما وردت في أبواب النّجاسات ، كرواية زرارة ، قال : «قلت : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره ، أو شيء من مني ... فإنّي قد علمت أنّه قد أصابه ولم أدر أين هو فأغسله؟ قال : تغسل من ثوبك النّاحية الّتي ترى أنّه قد أصابها حتّى تكون على
__________________
(١) راجع ، فرائد الاصول : ج ٢ ، ص ٢٠٠ إلى ٢٠٤.