ـ أيضا ـ غير معقول ، إذ مع تعذّر الإتيان بكلّ واحد ، لا يمكن الحكم بوجوب الإتيان بالمجموع.
ومنها : أنّ المراد من كلمة : «كلّ» في قوله عليهالسلام : «ما لا يدرك كلّه» هو العموم المجموعيّ ، وفي قوله عليهالسلام : «لا يترك كلّه» هو العموم الاستغراقيّ ، على عكس الاحتمال الثّالث ، ومعناه : أنّه إذا تعذّر الإتيان بالمجموع ، فلا يجوز ترك جميع الأفراد أو الأجزاء ، بل يجب الإتيان بغير ما تعذّر من الأفراد أو الأجزاء وهي سائر الأفراد والأجزاء الّتي تكون ميسورة ؛ وهذا الاحتمال ممّا التزم به بعض الأعاظم قدسسره (١) ، ولكنّ الظّاهر أنّه سهو من قلمه قدسسره ؛ إذ على ما قرّر في محلّه ، لا يفيد كلمة : «كلّ» في قوله عليهالسلام : «لا يترك كلّه» إلّا معنى سلب العموم ونفي الشّمول المنحلّ إلى إيجاب جزئيّ وسلب كذلك ، لا عموم السّلب وشمول النّفي المساوق للاستغراق والسّلب الكلّي.
وعليه : لو كان المراد من كلمة : «كلّ» في قوله عليهالسلام : «لا يترك كلّه» هو العموم الاستغراقيّ مع كون المراد منه في قوله عليهالسلام : «ما لا يدرك كلّه» هو العموم المجموعيّ ، كان معنى الرّواية إذا تعذّر وامتنع الإتيان بالمجموع واستحال إدراكه ، فلا يترك الإتيان بكلّ فرد أو جزء ، بمعنى : أنّه يجب الإتيان بكلّ فرد أو جزء من أفراد المأمور به الكلّي أو من أجزاء المأمور به الكلّ ، وهذا كما ترى غير معقول ، كيف وأنّه لا يمكن اجتماع إمكان الإتيان بكلّ فرد أو جزء على وجه الاستغراق مع امتناع الإتيان بالمجموع.
وبالجملة : قد وقع في كلام بعض الأعاظم قدسسره في تقرير هذا الاحتمال ، خلط بين سلب العموم وعموم السّلب ، فعلى ما قرّرناه يكون هذا الاحتمال ـ أيضا ـ كالأوّل
__________________
(١) راجع ، مصباح الاصول : ج ٢ ، ص ٤٨٠ إلى ٤٨١.