أَسْفَرَ ) (١) ، وإنّما أقسم بالعصر لأهميته ، إذ هو في وقت من النهار يحدث فيه تغيير في نظام المعيشة وحياة البشر ، فالأعمال اليومية تنتهي ، والطيور تعود إلى أوكارها ، وتبدأ الشمس بالميل نحو الغروب ، ويستولي الظلام على السماء ، ويخلد الإنسان إلى الراحة.
وهناك قولان آخران :
أ : المراد عصر الرسول ، ذلك لما تضمنته الآيتان التاليتان من شمول الخسران للعالم الإنساني ، إلاّ لمن اتبع الحقّ وصبر عليه ، وهم المؤمنون الصالحون عملاً ، وهذا يؤكد على أن يكون المراد من العصر عصر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهو عصر بزوغ نجم الإسلام في المجتمع البشري وظهور الحقّ على الباطل.
ب : المراد به وقت العصر ، وهو المروي عن مقاتل ، وإنّما أقسم بها ، لفضلها بدليل ، قوله : ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَىٰ ) (٢) كما قيل أنّ المراد من قوله تعالى : ( تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللهِ ) (٣) هو صلاة العصر.
أضف إلى ذلك انّ صلاة العصر يحصل بها ختم طاعات النهار ، فهي كالتوبة يختم بها الأعمال.
ولا يخفى انّ القول الأخير في غاية الضعف ، إذ لا صلة بين القسم بصلاة العصر والمقسم عليه ، أعني ( الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ) علىٰ أنّه لو كان المقسم به هو صلاة العصر ، لماذا اكتفى بالمضاف إليه ، وحذف المضاف مع عدم توفر قرينة عليه ، ومنه يظهر حال الوجه المتقدّم عليه.
__________________
(١) المدثر : ٣٤.
(٢) البقرة : ٢٣٨.
(٣) المائدة : ١٠٦.