وحديث ابن البحيري في حجة الوداع تحذيرٌ نبويٌّ لقريش في محله تماماً .. لأن قريشاً ذات موقع مميزٍ في العرب .. وهي المتصدية لقيادة عرب الجزيرة في حياة النبي صلىاللهعليهوآله ومن بعده .. فالخطر على أهل بيته من قريش وحدها .. والتحريف الذي يخشى على الإسلام .. والظلم الذي يخشى على المسلمين إنما هو من قريش وحدها .. وبقية الناس تبعٌ لها !
والنبي صلىاللهعليهوآله إنما هو مبلغٌ عن ربه ، ومقيمٌ لحجة ربه ، وعليه أن يحذر وينذر ، ليحيى من حيَّ عن بينة ، ويهلك من هلك عن بينة .
وأما المبدأ الثامن من هذا الأساس ( تحذيره الصحابة من الإرتداد والصراع على السلطة ) فقد روته مصادر الجميع بصيغتين : مباشرة ، وغير مباشرة ..
أما غير المباشرة فهي قوله صلىاللهعليهوآله ( لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ) وقد تقدم في نصوص الخطب أن ابن ماجة عقد في سننه : ٢ / ١٣٠٠ باباً تحت هذا العنوان وقال فيه إن النبي صلىاللهعليهوآله ( استنصت الناس فقال ... ويحكم أو ويلكم ، لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ... فلا تقتتلن بعدي ) .
وهذا يعني أن ذلك سوف يقع منهم ، وقد أخبرهم أنهم سيفعلون ، ولكنه صلىاللهعليهوآله استعمل كل بلاغته وكل عاطفته ، وكل موجبات الخوف والحذر .. ليقيم الحجة عليهم لربه عز وجل ، حتى إذا وافوه يوم القيامة لا يقولوا : لماذا لم تحذرنا !
والذين يحذرهم من الإقتتال ليسوا إلا الصحابة لا غير .. لا غير .. لا اليهود ولا القبائل العربية ، ولا حتى زعماء قريش بدون شركائهم من الصحابة ..
فالدولة الإسلامية كانت قائمة ، وقد حققت مركزيتها على كل الجزيرة ، والخوف من الإقتتال بعد النبي صلىاللهعليهوآله ليس من القبائل التي خضعت للاسلام طوعاً أو كرهاً ، مهما كانت كبيرةً وموحدةً مثل هوازن وعطفان .. فهي لا تستطيع أن تطمح الى قيادة هذه الدولة ، وإن طمحت فلا حظَّ لها في النجاح ، إلا بواسطة الصحابة ..