فإذا حلفا خلى سبيلهما ، (فَإِنْ عُثِرَ) بعد ذلك (عَلى) كذبهما و (أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً) بسبب كذبهما ، (فَآخَرانِ) من رهط الميت (يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ) المال المسروق ، اللذان هم (الْأَوْلَيانِ) أي : الأحقان بالشهادة ، (فَيُقْسِمانِ بِاللهِ) فيقولان : والله (لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما) ، وأصدق ، وأولى بأن تقبل ، (وَمَا اعْتَدَيْنا) : وما تجاوزنا فيها الحق ، (إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) ، فإن حلفا غرم الشاهدان ما ظهر عليهما ، وتحليف الشهود منسوخ ، وهذا الحكم خاص بهذه القضية.
قال البيضاوي : الحكم منسوخ إن كان الاثنان شاهدين ، فإنه لا يحلف الشاهد ، ولا تعارض يمينه يمين الوارث ، وثابت إن كانا وصيين. ه. وكذا شهادة غير أهل الملة منسوخة أيضا ، واعتبار صلاة العصر للتغليظ ، وتخصيص الحلف فى الآية باثنين من أقرب الورثة لخصوص الواقعة. قاله السيوطي.
قال تعالى : (ذلِكَ) أي : تحليف الشهود ، (أَدْنى) أي : أقرب (أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها) كما تحملوها من غير تحريف ولا خيانة فيها ، (أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ) أي : أو أقرب لأن يخافوا أن ترد اليمين على المدعين بعد أيمانهم ، فيفتضحوا بظهور الخيانة واليمين الكاذبة ، وإنما جمع الضمير ، لأنه حكم يعم الشهود كلهم ، (وَاتَّقُوا اللهَ وَاسْمَعُوا) ما توصون به ، فإن لم تتقوا ولم تسمعوا كنتم قوما فاسقين ، (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) أي : لا يهديهم إلى حجة أو إلى طريق الجنة.
الإشارة : أمر الحق ـ جل جلاله ـ فى الآية المتقدمة ، بالاعتناء بشأن الأنفس ، بتزكيتها وتحليتها ؛ وأمر فى هذه الآية بالاعتناء بشأن الأموال ؛ بحفظها ، والأمر بالإيصاء عليها ودفعها لمستحقها ؛ إذ كلاهما يقربان إلى رضوان الله ، ويوصلان إلى حضرته ، وقد كان فى الصحابة من قربه ماله ، وفيهم من قربه فقره ، وكذلك الأولياء ، منهم من نال الولاية من جهة المال أنفقه على شيخه فوصله من حينه ، ومنهم من نال من جهة فقره أنفق نفسه فى خدمة شيخه ، وقد روى أن سيدى يوسف الفاسى أنفق على شيخه قناطير من المال ، قيل : أربعين ، وقيل : أقل. والله تعالى أعلم.
ولما أمرهم بالتقوى ، ذكر اليوم الذي تجنى فيه ثمراتها ، فقال :
(يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (١٠٩))
قلت : (يوم) : بدل من (الله) ، بدل اشتمال ، أي : اتقوا يوم الجمع ، أو ظرف لاذكر ، و (ماذا) : منصوب على المصدر ، أي : أىّ إجابة أجبتم.
يقول الحق جل جلاله : واذكر (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ) والأمم يوم القيامة (فَيَقُولُ) للرسل : (ما ذا أُجِبْتُمْ)؟ أي : ما الذي أجابكم به قومكم ، هل هو كفر أو إيمان ، طاعة أو عصيان؟ والمراد بهذا السؤال توبيخ من