وقيل : سبب نزولها : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم خطب فقال : «أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا ، فقالوا : يا رسول الله ، أفي كل عام؟ فسكت ، فأعادوا ، فقال : لا ، لو قلت : نعم ، لو جبت ، ولو وجبت لم تطيقوه ، ولو تركتموه لهلكتم ، فاتركونى ما تركتكم» (١) ، قال أبو ثعلبة الخشني رضى الله عنه : إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ، ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها ، وحد حدودا فلا تعتدوها ، وعفا ـ من غير نسيان ـ عن أشياء ، فلا تبحثوا عنها.
ثم قال تعالى : (وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ) أي زمنه (تُبْدَ لَكُمْ) أي : تظهر لكم ، وفيه معنى الوعيد على السؤال ، كأنه قال : لا تسألوا ، وإن سألتم أبدى لكم ما يسؤكم. والمراد بحين ينزل القرآن : زمان الوحى. فلا تسألوا عن أشياء قد (عَفَا اللهُ عَنْها) ولم يكلف بها أو عفا الله عما سلف من سؤالكم ، فلا تعودوا إلى مثلها ، (وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) لا يعاجلكم بعقوبة ما فرط منكم ويعفو عن كثير. (قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ) ؛ حيث لم يأتمروا بما سألوا ، وجحدوا ، وذلك أن بنى إسرائيل كانوا يستفتون أنبياءهم عن أشياء ؛ فإذا أمروا بها تركوها ، فهلكوا. فالكفر هنا عبارة عن ترك ما أمروا به. وقال الطبري : كقوم صالح فى سؤالهم الناقة ، وكبنى إسرائيل فى سؤالهم المائدة. زاد الشلبي : وكقريش فى سؤالهم أن يجعل الله الصفا ذهبا. ه. وكسؤالهم انشقاق القمر ، وغير ذلك من تعنيتاتهم. والله تعالى أعلم.
الإشارة : مذهب الصوفية مبنى على السكوت والتسليم والصدق والتصديق ، مجلسهم مجلس حلم وعلم وسكينة ووقار ، إن تكلم كبيرهم أنصتوا ، كأن على رءوسهم الطير ، كما كان الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ ، ولذلك قالوا : من قال لشيخه : (لم) لم يفلح أبدا. وقال الشيخ أبو الحسن رضى الله عنه : إذا جلست مع الكبراء فدع ما تعلم وما لا تعلم ؛ لتفوز بالسر المكنون. ه.
وفى الحديث عنه صلىاللهعليهوسلم : «إنّ الله ينهاكم عن قيل وقال ، وكثرة السّؤال ، وإضاعة المال» (٢). وقال الورتجبي : فى الآية تحذير المريدين عن كثرة سؤالهم فى البداية عن حالات المشايخ. ه. قلت : وعلة النهى : لعله يطلع ، بكثرة البحث عن حالهم ، على أمور توجب له نفرة أو غضا من مرتبتهم قبل تربية يقينه ، فالصواب : السكوت عن أحوالهم ، واعتقاد الكمال فيهم ، وكذلك يجب عليه ترك السؤال عن أحوال الناس ، والغيبة عما هم فيه ؛ شغلا بما هو متوجه إليه ، وإلا ضاع وقته ، وتشتت قلبه ، ولله در القائل :
ولست بسائل ما دمت حيّا |
|
أسار الجيش أم ركب الأمير؟ |
والله تعالى أعلم.
__________________
(١) أخرجه أحمد فى المسند ٢ / ٥٠٨ ومسلم فى (الحج ، باب فرض الحج فى العمر) عن أبى هريرة رضى الله عنه.
(٢) أخرجه البخاري فى (الأدب ، باب عقوق الوالدين من الكبائر) ومسلم فى (الأقضية ، باب النهى عن كثرة المسائل من غير حاجة ..) عن حديث أبى هريرة رضى الله عنه.