أو صيد له ميتة لا يؤكل ، والمراد بالصيد المنهي عن قتله : ما صيد وما لم يصد مما شأنه أن يصاد ، وورد هذا النهى عن قتله قبل أن يصاد ، وبعده ، وأما النهى عن الاصطياد فيؤخذ من قوله : (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً) ، وخصص الحديث : الغراب والحدأة ، والفأرة والعقرب والكلب العقور (١) ، فلا بأس بقتلهم ، فى الحل والحرم ، وأدخل مالك فى الكلب العقور كل ما يؤذى الناس من السباع وغيرها ، وقاس الشافعي على هذه الخمسة كل ما لا يؤكل لحمه.
ثم ذكر جزاء قتله فقال : (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) أي : فعليه جزاء مثل ما يماثله من النعم ، وهى الإبل والبقر والغنم ، ففى النعامة بدنة ، وفى الفيل ذات سنامين ، وفى حمار الوحش وبقره بقرة ، وفى الغزالة شاة ، فالمثلية عند مالك والشافعي فى الخلقة والمقدار ، فإن لم يكن له مثل ؛ أطعم أو صام ، يقوّم بالطعام فيتصدق به ، أو يصوم لكل مد يوما ، ومذهب أبى حنيفة أن المثلية : القيمة ، يقوم الصيد المقتول ، ويخير القاتل بين أن يتصدق بالقيمة أو يشترى بها من النعم ما يهديه. وذكر العمد ليس بتقييد عند جمهور الفقهاء ، خلافا للظاهرية ؛ بل المتعمد ، والناسي فى وجوب الجزاء سواء ، وإنما ذكره ليرتب عليه قوله : (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) ، ولأن الآية نزلت فيمن تعمد ، إذ روى أنهم عرض لهم حمار وحشي ، فطعنه أبو اليسر برمحه فقتله ، فنزلت الآية.
ولا بد من حكم الحكمين على القاتل لقوله : (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) ، فكما أن التقويم يحتاج إلى نظر واجتهاد ، فكذلك تحتاج المماثلة فى الخلقة والهيأة إليهما ، فإن أخرج الجزاء قبل الحكم عليه ؛ فعليه إعادته ، إلا حمام مكة ؛ فإنه لا يحتاج إلى حكمين ، ويجب عند مالك التحكيم فيما حكمت به الصحابة وفيما لم تحكم ، لعموم الآية. وقال الشافعي : يكتفى فى ذلك بما حكمت به الصحابة ، حال كون المحكوم به (هَدْياً) بشرط أن يكون مما يصح به الهدى ، وهو الجذع من الضأن ، والثني مما سواه ، وقال الشافعي : يخرج المثل فى اللحم ، ولا يشترط السن ، (بالِغَ الْكَعْبَةِ) لم يرد الكعبة بعينها ، وإنما أراد الحرم ، وظاهره يقتضى أن يصنع به ما يصنع بالهدى ؛ من سوق من الحل إلى الحرم ، وقال الشافعي وأبو حنيفة : إن اشتراه فى الحرم أجزأه.
(أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ) ؛ مد لكل مسكين ، (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) ؛ يوم لكل مد ، عدد الحق ـ تعالى ـ ما يجب فى قتل الصيد ، فذكر أولا الجزاء من النعم ، ثم الطعام ، ثم الصيام ، ومذهب مالك والجمهور : أنها على
__________________
(١) أخرج ذلك البخاري فى (جزاء الصيد ، باب ما يقتل من الدواب) ومسلم فى (الحجر ، باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب فى الحل والحرام) من حديث السيدة عائشة رضى الله عنها.