ثم ذكر دخول يعقوب مصر ، وجمع شمله بيوسف ـ عليهماالسلام ـ ، فقال :
(فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ (٩٩) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (١٠٠))
يقول الحق جل جلاله : (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ). قبل هذا الكلام محذوفات ، وهى : فرحل يعقوب بأهله حتى بلغوا إليه ، ولما دخلوا على يوسف .... إلخ.
روى أن يوسف عليهالسلام وجه إليه رواحل وأموالا ليتجهز إليه بمن معه ، وأرسل إليه مائة وثمانين كسوة من رفيع الثياب والعمائم لإخوته ، وقميصان مذهبان للإناث ، فلما وصلت إلى يعقوب لبس ، وألبس أولاده ، وركبوا المراكب ، وخرجوا من أرض كنعان يريدون مصر ، فلما قربوا ، أمر يوسف عليهالسلام العساكر أن تخرج معه للقائهم ، فأول من لقيهم ثلاثون ألف فارس ، كلهم يسجدون بين يدى يعقوب ، وهو يتعجب من عظم تلك الأجناد ، ويضحك من نصر الله تعالى ، وعزه لابنه. ثم لقيهم البغال ، والجواري لنساء إخوته وأولادهم. ثم لقيهم أربعون ألف شيخ من الوزراء والكبراء. ثم استقبلهم يوسف عليهالسلام مترجلا ماشيا على قدميه ، متواضعا لأبيه ، فى مائة ألف ، كلهم على أرجلهم ، معهم الملك «ريّان» ثم سلّم يوسف عليهالسلام والملك على أبيه ، ثم أقبلا يبكيان ، وبكى إخوته وضج الناس بالبكاء ، ثم ضم إليه أبويه ، وقيل : أباه وخالته ، (وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) ، ثم حمل يعقوب عليهالسلام فى هودج من الذهب ، ويوسف عليهالسلام ، وإخوته يمشون بين يديه مترجلين حتى دخلوا مصر ، ثم أتوا إلى قصر مملكته.
قال ابن عباس : فجلس يوسف عليهالسلام على سريره ، وأبوه عن يمينه ، وخالته عن شماله ، وإخوته بين يديه ، فخروا له سجدا ؛ لأنها كانت عادتهم فى ذلك الزمان ـ يعنى تحيتهم على الملوك ـ روى أنهم قالوا فى سجودهم : سبحان مؤلف الشتات بعد الإياس ، سبحان كاشف الضر بعد البأس. فقال يوسف لأبيه : (يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ ...) إلخ ـ هكذا ذكر القصة صاحب الزهر الأنيق فى قصة يوسف الصديق. وهذا معنى قوله : (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ) بلده ومملكته (آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ) ؛ أي : اعتنقهما ، وسلّم عليهما ، وضمهما إليه. قيل : الأبوين حقيقة. وقيل : أباه وخالته. ونزّل الخالة منزلة الأم تنزيل العم منزلة الأب فى