كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٨٢) قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٨٣))
قلت : (نجيأ) : حال ، أي : انفردوا عن الناس مناجين. وإنما أفرده ؛ لأنه مصدر ، أو بزنته. و (من قبل ما) : يحتمل أن تكون مزيدة ومصدرية مرفوعة بالابتداء ، أي : تفريطكم فى يوسف واقع من قبل هذا. قاله ابن جزى. وفيه نظر ؛ فإن الظرف المقطوع لا يقع خبرا ، أو منصوبة بالعطف على مفعول (تعلموا) ، أي : لم تعلموا أخذ ميثاق أبيكم ، وتفريطكم فى يوسف قبل هذا.
يقول الحق جل جلاله : (فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا) ؛ أي : يئسوا (مِنْهُ) من يوسف أن يجيبهم إلى ما دعوه إليه من أخذ أحدهم مكان أخيهم ، (خَلَصُوا) أي : تخلصوا من الناس ، وانفردوا عنهم (نَجِيًّا) متناجين ، يناجى بعضهم بعض : كيف وقع للصاع؟ وكيف يتخلصون من عهد أبيهم؟ ثم فسر تلك المناجاة : (قالَ كَبِيرُهُمْ) فى السن ، وهو رويبيل ، أو فى الرأى ، وهو شمعون ، وقيل يهوذا : (أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ) ؛ عهدا وثيقا ، وحلفتم له لتأتن بابنه إلا أن يحاط بكم؟ فكيف تصنعون معه ، (وَمِنْ قَبْلُ) هذا (فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ) واعتذرتم بالأعذار الكاذبة؟ (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ) ؛ فلن أفارق أرض مصر (حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي) فى الرجوع ، (أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي) : أو يقضى لى بالخروج منها ، أو بتخليص أخى منهم قهرا ، (وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) ؛ لأن حكمه لا يكون إلا بالحق.
روى أنهم كلموا العزيز فى إطلاقه ، فقال رويبيل ، وقيل : يهوذا : أيها الملك ، لتتركن أخانا أو لأصيحن صيحة تضع منها الحوامل ، ووقف شعر جسده ؛ فخرجت من ثيابه ، فقال يوسف لابنه الصغير ، واسمه نائل : قم إلى جنبه ومسّه ، فمسه ، وكان بنو يعقوب إذا غضب أحدهم لا يسكن غضبه إلا إذا مسه أحد من آل يعقوب ، فلما مسه ولد يوسف عليهالسلام سكن غضبه ، فقال : من هذا؟ إن فى هذا البلد لبذرا من بذر يعقوب.
وقيل : إنهم هموا بالقتال ، وقال يهوذا لإخوته : تفرقوا فى أسواق مصر ، وأنا أصيح صيحة نشق مراريهم ، فإذا سمعتم صوتى ، فاخربوا يمينا وشمالا ، فلما غضب ، وأراد أن يصيح ، مسه ولد يوسف فسكن ، فلما لم يسمعوا صوته أتوا إليه فوجدوه قد سكن غضبه ، فقال : إن هنا بذرا من آل يعقوب.
ثم قال لهم : (ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ) على ما شهدنا من ظاهر الأمر ، (وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا) بأن رأينا الصاع استخرج من وعائه. (وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ) أي : ما كنا