لعله يخلصنى. قال ابن عطية : يحتمل أن يذكره بعلمه ومكانته ، ويحتمل أن يذكره بمظلمته وما امتحن به بغير حق. أو يذكره بهما. ه. وقال الورتجبي : يحتمل أن قوله : (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) : عرّف له طريقتى مع الله حتى يعرفنى أنى رسول الله ، ويطيعنى فى طاعة الله ، وينجو بذلك من عذابه ، ويصل إلى ثوابه ، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، وليوحد الله تعالى ، ويتخلص من كيد الشيطان ، وما معه من الإنسان. ه.
(فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) أي : فأنسى الساقي أن يذكر يوسف لربه. أو أنسى يوسف ذكر الله حتى استغاث بغير ، فأدبه ، (فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ) ، وفى الحديث عنه صلىاللهعليهوسلم : «رحم الله أخى يوسف ، لو لم يقل : اذكرني عند ربّك ، لما لبث فى السّجن سبعا بعد الخمس».
روى أن جبريل عليهالسلام أتاه بعد المقالة ، فقال له : من أخرجك من الجبّ ، وخلّصك من القتل ، وعصمك من الفاحشة؟ فقال : الله. فقال : كيف تعتصم بغيره ، وتثق بالمخلوق ، وترفع قصتك إليه ، وتترك ربك؟! قال : يا جبريل ؛ كلمات جرت على لسانى ، وأنا تائب لا أعود لمثلها. ه. والاستعانة بالمخلوق ، وإن كانت جائزة شرعا ، لكنها لا تليق بمقام الأقوياء. (فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) البضع : من الثلاث إلى التسع. روى أن يوسف عليهالسلام سجن خمس سنين أولا ، ثم سجن بعد المقالة سبع سنين.
الإشارة : النسيان والغفلة التي لا تثبت فى القلب ، والخواطر التي ترد وتذهب من أوصاف البشرية التي لا تنافى الخصوصية ، إذ لا انفكاك للعبد عنها. قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) (١) فالطيف لا ينجو منه أحد ؛ لأنه من جملة أوصاف العبودية التي بها تعرف كمالات الربوبية. وقد قال تعالى فى حق سيد العارفين : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) (٢) ؛ فالعصمة التي تجب للأنبياء إنما هى مما يوجب نقصا أو غضا من مرتبتهم. وهذه الأمور إنما توجب كمالا ؛ لأنها بها يتحقق كمال العبودية التي هى شرف العبد. فافهم وسلم ، ولا تنتقد ، فإن هذه الأمور لا يفهمها إلا العارفون بالله ، دون غيرهم من أهل العلم الظاهر.
وقال الورتجبي : إن يوسف عليهالسلام لم يعلم وقت إيمان الملك ، ولم يأت وقت دخوله فى الإسلام ، فأنساه الشيطان ذكر ربه ، فى سابق حكمه ، على تقدير وقت إيمان الملك ، فلبث فى السجن إلى وقت إيمان الملك ، فنسيان يوسف : احتجابه عن النظر إلى قدره السابق. ه.
__________________
(١) من الآية ٢٠١ من سورة الأعراف.
(٢) من الآية ٢٠٠ من سورة الأعراف.