ويعبدونها لا تستحق الألوهية ، ثم دل على ما هو الحق القويم ، والدين المستقيم ، الذي لا يقتضى العقل غيره ، ولا يرتضى العلم دونه. ه.
الإشارة : كل من لم يجمع قلبه على مولاه ، واتبع حظوظه وهواه ، فله أرباب متفرقون بقدر ما يميل إليه قلبه من هذا العرض الفاني. قال ابن عطية : وقد ابتلى بأرباب متفرقين من يخدم أبناء الدنيا ويؤملهم. ه. وفى الحديث : «خاب من رجى غير الله وضلّ سعيه ، وطاب وقت من وثق بالله». ولله در القائل :
حرام على من وحّد الله ربّه |
|
وأفرده أن يجتدى أحدا رفدا |
فيا صاحبى قف بي على الحق وقفة |
|
موت بها وجدا وأحيا بها وجدا |
وخلّ ملوك الأرض تجهد جهدها |
|
فذا الملك ملك لا يباع ولا يهدى |
ثم فسر لهما الرؤيا ، فقال :
(يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ (٤١) وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (٤٢))
قلت : (منهما) : يتعلق بظن ، والظن يحتمل أن يكون بمعنى اليقين ؛ لأن قوله : (قضى الأمر) يقتضى ذلك ، أو يبقى على بابه.
يقول الحق جل جلاله : قال يوسف : (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ) المستفتيان عن الرؤيا ، (أَمَّا أَحَدُكُما) وهو الساقي ، (فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً) كما كان يسقيه قبل ، ويعود إلى ما كان عليه ، (وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ) ، فقالا : كذبنا ما رأينا شيئا ، فقال : (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ) ، سبق به القضاء فى الأزل ، وهو ما يؤول إليه أمركما ، ولذلك وحده ولم يقل : قضى أمراكما. روى أنه لما دعاهما إلى التوحيد أسلم الساقي وأبى الخباز ، فأخرج بعد ثلاث وصلب.
(وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا) يوسف ، أي : تيقن ، أو غلب على ظنه أنه ناج منهما ، إما عن وحي ، على الأول ، أو باجتهاد بسبب الرؤيا : (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) ؛ عند سيدك ، وهو الملك ، وقل له : غلام سجن ظلما ،