دعت أربعين امرأة فيهن الخمس. (وَأَعْتَدَتْ) : أعدت (لَهُنَّ مُتَّكَأً) ؛ ما يتكئن عليه من الوسائد ونحوها. وقيل : المتكأ : طعام ، فإنهم كانوا يتكئون للطعام عند أكله ، وقرىء فى الشاذ : «متكأ» ، بسكون التاء وتنوين الكاف ، وهو الأترج. (وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً) ليقطعن به. وهذا يدل على أن الطعام كان مما يقطع بالسكاكين كالأترج. وقيل : كان لحما.
(وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَ) ، فأسعفها ؛ لأنه كان مملوك زوجها ، فخرج عليهن ، (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ) : عظمن شأنه وجماله الباهر ، وعن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «رأيت يوسف ليلة المعراج كالقمر ليلة البدر». وقيل : كان يرى تلألؤ وجهه على الجدران. (وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَ) : جرحنها بالسكين ؛ لفرط الدهشة. اشتغلن بالنظر إليه ، وبهتن من جماله حتى قطعن أيديهن ، وهنّ لا يشعرن ، كما يقطع الطعام. (وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ) ؛ تنزيها له عن صفات العجز عن أن يخلق مثله. أو تنريها له أن يجعل هذا بشرا. اعتقدوا أن الكمال خاص بالملائكة ، وكونه فى البشر فى حيز المحال ، أو تعجبا من قدرته على خلق مثله. (ما هذا بَشَراً) ؛ لأن هذا الجمال غير معهود للبشر. ، (إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) على الله ؛ لأن الجمع بين الجمال الرائق ، والكمال الفائق ، والعصمة البالغة. من خواص الملائكة.
(قالَتْ) لهن : (فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) ؛ توبيخا لهن على اللوم ، أي : فهو ذلك الغلام الكنعانى ، الذي لمتننى فى الافتتان به قبل أن ترونه. ولو كنتن رأيتنّه لعذرتنّنى ، (وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ) : فامتنع طلبا للعصمة. أقرت لهن حين عرفت أنهن يعذرنها ؛ كى يعاونها على إلانة عريكته ، (وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ) به (لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ) الأذلاء ، وهو من صغر ، بالكسر ، يصغر صغارا. فقلن له : أطع مولاتك.
(قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) من فعل الفاحشة ؛ بالنظر إلى العاقبة. وإن كان مما تشتهيه النفس. لكن ربّ شهوة ساعة أورثت حزنا طويلا. قيل : إنما ابتلى بالسجن لقوله هذا ، وإنما كان اللائق به أن يسأل الله العافية ، فالاختيار لنفسه أوقعه فى السجن ، ولو ترك الاختيار لكان معصوما من غير امتحان بالسجن ، كما كان معصوما وقت المراودة ، (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي) : وإن لم تصرف عنى (كَيْدَهُنَ) من تحبيب ذلك إلىّ ، وتحسينه عندى بالتثبيت على العصمة ، (أَصْبُ إِلَيْهِنَ) ؛ أمل إلى جانبهن بطبعي ومقتضى شهوتى ، (وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ) ؛ من السفهاء بارتكاب ما يدعوننى إليه. فإن الحكيم لا يفعل ما هو قبيح. أو من الذين لا يعملون بما يعلمون ، فإنهم جهال ، وكلامه هذا : تضرع إلى الله تعالى ، واستغاثة به.