بائعين فزهدهم فيه لأنهم التقطوه والملتقط للشىء متهاون به خائف من انتزاعه ، وإن كانوا مبتاعين فلأنهم اعتقدوا أنه آبق.
قال الفراء : لما اشتراه منهم مالك ، قال لهم : اكتبوا لى كتابا بخطكم بأنكم بعتم منى هذا الغلام بكذا وكذا ، فكتبوا له ذلك ، فلما أراد الرحيل قالوا له : اربطه لئلا يهرب ، فلما همّ بربطه قال له يوسف : خلنى أودّع ساداتى ؛ فلعلّى لا ألقاهم بعد هذا اليوم. فقال له مالك : ما أكرمك من مملوك ، حيث يفعل بك هذا وأنت تتقرب منهم. فقال له يوسف : كل أحد يفعل ما يليق به ، فقال له : دونك ، فقصدهم وهم قيام صفا واحدا ، فلما دنا منهم بكوا وبكى يوسف عليهالسلام ، ثم قالوا : والله لقد ندمنا يا يوسف على ما فعلنا ، ولو لا الخشية من والدنا لرددناك. ه. ثم ذهبوا به إلى مصر فباعوه ، فاشتراه العزيز الذي كان على خزائن مصر. واسمه : «قطفير» ، وكان الملك يومئذ «ريان بن الوليد العلقمي» ، وقد آمن بيوسف ، ومات فى حياته.
(وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ) راعيل ، أو زليخا ، (أَكْرِمِي مَثْواهُ) ؛ اجعلي مقامه عندنا كريما ، والمعنى : أحسنى تعهده ، (عَسى أَنْ يَنْفَعَنا) فى ضياعنا وأموالنا ، نستظهر به فى مصالحنا ، (أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) أي : نتبنّاه ، وكان عقيما ، لما تفرس فيه من الرشد. ولذلك قيل : (أفرس الناس عزيز مصر ، وابنة شعيب التي قالت : (يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ) (١) ، وأبو بكر حين استخلف عمر) (٢).
قال البيضاوي : روى أنه اشتراه العزيز وهو ابن تسع عشرة سنة ، ولبث فى منزله ثلاث عشرة سنة ، واستوزره الريان وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة ، وتوفى وهو ابن مائة وعشرين سنة. واختلف فيما اشتراه به من جعل شراء غير الأول ، فقيل : عشرون دينارا ، وزوجا نعل ، وثوبان أبيضان. وقيل : ملؤه ـ أي وزنه ـ فضة ، وقيل : ذهبا. ه. وقيل : مسكا وحريرا.
(وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ) أي : وكما مكنا محبته فى قلب العزيز ، أو كما مكناه فى منزله ، أو كما أنجيته ، وعطفنا عليه العزيز ، مكناه فى الأرض ، ليتصرف فيها بالعدل ، (وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) ؛ أي : من تأويل كتب الله المتقدمة ، أو من تأويل الأحكام الحادثة بين الناس ليحكم فيها بالعدل ، أو من تعبير المنامات ، ليستعد لها قبل حلولها. أي : كان القصد فى إنجائه وتمكينه : إقامته العدل ، وتيسير أمور الناس ، وليعلم معانى كتب الله وأحكامه فينفذها ، (وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ) : لا يرده شىء ، ولا ينازعه فيما يريد جبار ولا عنيد ، أو : غالب
__________________
(١) من الآية ٢٦ من سورة القصص.
(٢) أخرجه الحاكم فى المستدرك (٢ / ٣٤٦) وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي ، عن ابن مسعود وكذلك أخرجه الطبراني فى الكبير (٨ / ١٨٥ ح ٨٨٢٩).