الْأَحادِيثِ وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢١) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٢٢))
قلت : (بضاعة) : حال من المفعول ، أي : وأخفوه مبضعا به للتجارة. و (لنعلمه) : عطف على محذوف ، أي : مكناه فى الأرض ليتصرف فيها بالعدل ولنعلمه .. إلخ. و (دراهم) : بدل من (ثمن). قال الهروي : الأشدّ : من خمسة عشر إلى أربعين سنة. وهو جمع شدة ، مثل : نعمة وأنعم ، وهى : القوة والجلادة فى البدن والعقل. ه.
يقول الحق جل جلاله : (وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ) ؛ رفقة تسير من مدين إلى مصر ، فنزلوا قريبا من الجب ، وكان ذلك بعد ثلاث من إلقائه فيه. (فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ) الذي يرد الماء ، ويستقى لهم ، وهو : مالك بن ذعر الخزاعي ، (فَأَدْلى دَلْوَهُ) أرسلها فى الجب ليملأها ، فتعلق بها يوسف ، فلما رآه (قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ) ؛ نادى البشرى ، بشارة لنفسه ، أو لقومه ، كأنه قال : تعال هذا أوانك. وقيل : اسم لصاحبه ، ناداه ليعينه على إخراجه فأخرجوه ، (وَأَسَرُّوهُ) أي : أخفاه الوارد ، وأصحابه عن الرفقة ، وقالوا : دفعه إلينا أهل الماء لنبيعه بمصر ، حال كونه (بِضاعَةً) ؛ أي : متاعا مبضعا به للتجارة ، أي : يباع ويتجر بثمنه. (وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ) لم يخف عليه أسرارهم.
(وَشَرَوْهُ) أي : باعه السيارة من الرفقة ، أو إخوته ، فيكون الضمير راجع لهم. روى أن يهوذا كان يأتيه كل يوم بالطعام ، فأتاه يومئذ فلم يجده فيها ، وأخبر إخوته فأتوا الرفقة وقالوا : هذا غلامنا فاشتروه ، وسكت يوسف خوفا من أن يقتلوه. أو اشتروه من إخوته ؛ لأن شرى قد يستعمل بمعنى اشترى. فاشتراه الرفقة منهم (بِثَمَنٍ بَخْسٍ) ؛ أي : مبخوس ، لزيفه أو نقصانه ، (دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ) قليلة ، فإنهم يزنون ما بلغ الأوقية ، ويعدّون ما دونها. قيل : كان عشرين درهما. وقيل : اثنين وعشرين. روى أن الذي اشتراه منهم مالك بن ذعر المتقدم ، وكان صعلوكا ، فسأل يوسف أن يدعو له فدعا له فصار غنيا. روى أنه قال لهم : بكم تبيعونه؟ فقالوا له : إن اشتريته بعيوبه بعناه لك. فقال : وما عيوبه؟ فقالوا : سارق كذاب ، يرى الرؤيا الكاذبة. فقال لهم : بكم تبيعونه لى مع عيوبه؟ ويوسف عليهالسلام ينظر إليهم ولا يتكلم ، وهو يقول فى نفسه : ما أظنه يقوم بثمنى ؛ لأنهم يطلبون أموالا كثيرة. قال لهم مالك : معى دراهم قليلة تعد ولا توزن ، فقالوا له : هاتها. فاشتراه منهم بتلك الدراهم المعدودة. قال ابن عباس : كانت سبعة عشر درهما ، جعل له ذلك جزاء لما قوم نفسه ، وظن أنهم يطلبون فيه الأموال. ه. (وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) : الراغبين عنه. يحتمل أن يكون الضمير لإخوته ، وزهدهم فيه ظاهر. أو يكون للرفقة ، فإن كانوا