قيل : ما أصاب يعقوب ما أصابه فى ولده إلا من أجل خوفه عليه ، وغفلته عن استيداعه ربه ، ولو استودعه ربه لحفظه ، لكن لا ينفع حذر من قدر. (وكان أمر الله قدرا مقدورا).
ثم ذكر انصرافهم بيوسف ، وما كان من شأنه ، فقال :
(فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٥) وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (١٦) قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (١٧) وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (١٨))
قلت : (لمّا) حرف وجود لوجود ، يطلب الشرط والجواب ، وجوابها هنا محذوف ، أي : فعلوا به ما فعلوا. وقيل : جوابها : (أجمعوا) ، وقيل : (أوحينا) ؛ على زيادة الواو فيهما. وجملة : (وهم لا يشعرون) : حال من (تنبئنهم) ، فيكون خطابا ليوسف عليهالسلام ، أو من (أوحينا) ؛ أي : وهم لا يشعرون حين أوحينا إليه. فيكون حينئذ الخطاب لسيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم. و (صبر جميل) : مبتدأ ، والخبر محذوف ، أي : مثل. أو : خبر عن مبتدأ ، أي : أمرى صبر جميل. و (على قميصه) : فى موضع نصب على الظرف ، أي : فوق قميصه. أو : حال من الدم ؛ إن جوز تقديمها على المجرور.
يقول الحق جل جلاله : (فَلَمَّا ذَهَبُوا) بيوسف معهم (وَأَجْمَعُوا) أي : عزموا (أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ) (١) (الْجُبِ) ؛ وهو بئر بأرض الأردن ، أو بين مصر ومدين ، أو على ثلاثة فراسخ من مقام يعقوب.
قال الفراء : كان حفره شداد بن عاد. فانظره. قال السدى : ذهبوا بيوسف وبه عليهم كرامة ، فلما برزوا فى البرية أظهروا له العداوة ، وجعل أخوه يضربه فيستغيث بالآخر فيضربه ، فجعل لا يرى منهم رحيما. فضربوه حتى كادوا يقتلونه ، فجعل يصيح : يا أبتاه يا يعقوب ، لو تعلم ما صنع بابنك بنو الإماء. ه. وكان إخوته سبعة من خالته الحرة ، والباقون من سريتين له ، كما تقدم.
وقال ابن عباس رضى الله عنه : كان يعقوب عليهالسلام ينظر إلى يوسف عليهالسلام حتى غاب عنه ، وعن نظره ، فلما علموا أنهم غيبوه عنه ، وضعوه فى الأرض وجروه عليها ، ولطموا خده ، فجرد شمعون سكينه وأراد ذبحه ، فتعلق بذيل
__________________
(١) راجع التعليق على تفسير الآية «٩» من نفس السورة.