ثم احتالوا على أبيهم فى إرسال يوسف معهم ، كما قال تعالى :
(قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ (١١) أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (١٢) قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ (١٣) قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ (١٤))
قلت : (تأمننا) : اجتمع نونان ، فيجوز الإدغام ، وبه قرأ أبو جعفر ، وقرأ الجماعة بالإشمام. وقوله : (يرتع ويلعب) : جواب الأمر ، فمن قرأ بكسر العين فجزمه بحذف الياء ، وهو من رعى الإبل ، ومن قرأ بالإسكان فهو من الرتع ، وهى الإقامة فى الخصب والتنعم ، والتاء على هذا أصلية. ووزن الفعل : يفعل ، ووزنه على الأول يفتعل ، قال ابن عطية : فيرتع على قراءة نافع من رعى الإبل ، أي : يتدرب فى رعى الإبل وحفظ المال. قال أبو على : وقراءة ابن كثير : (نرتع) بالنون (ويلعب) بالياء ، فنزعها حسن ؛ لإسناد النظر فى المال والرعاية إليهم ، واللعب إلى يوسف لصباه ، وقرأ أبو عمر وابن عامر : (نرتع ونلعب) ؛ بالنون فيهما ، وإسكان العين والباء ، من الرتوع ، وهو : الإقامة فى الخصب والمرعى فى أكل وشرب ، وقرأ عاصم والأخوان : (يرتع ويلعب) بإسناد ذلك كله إلى يوسف. ه. قلت : وكذا قرأ نافع ، غير أنه يكسر العين وهم يسكنون.
(ونحن عصبة) : حال ، والرابط الواو ، والعصبة : الجماعة من العشرة إلى فوق.
يقول الحق جل جلاله : قال إخوة يوسف لأبيهم : (يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ) أي : لم تخافنا عليه؟ (وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ) نشفق عليه ، ونريد له الخير. أرادوا أن يستنزلوه عن رأيه فى حفظه منهم لما تنسم من حسدهم. قلت : قد نصحوه فى الحقيقة حيث تسببوا فى ملكه وعزه. روى أنهم لما قالوا له : (مالك ....) إلخ ، اهتزت أركانه ، واصفر لونه ، واصطكت أسنانه ، وتحركت جوانبه ، كأنه علم بما فى قلوبهم بالفراسة. ثم قالوا : (أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ) : يتسع فى أكل الفواكه ونحوها. أو يتعلم الرعاية ، (وَيَلْعَبْ) بالاستباق والإنتضال ، (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) أن يناله مكروه.
(قالَ) يعقوب : (إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ) لشدة مفارقته علىّ ، وقلة صبرى عنه ، (وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ) : لاشتغالكم بالرتع واللعب ، أو لقلة اهتمامكم به ، وإنما خاف عليه من الذيب ؛