القصة ، لم تخطر ببالك ، ولم تقرع سمعك. قال البيضاوي : وهو تعليل لكونه موحىّ ، و «إن» هذه : مخففة ، واللام هى الفارقة. ه.
الإشارة : ما نزل القرآن بلسان عربى مبين إلا لنعقل عظمة ربنا ونعرفه ، وذلك لا يكون إلا بعد استعمال العقول الصافية ، والأفكار المنورة ، فى الغوص على درر معانيه. فحينئذ تطلع على أنوار التوحيد وأسرار التفريد ، وعلى أنوار الصفات ، وأسرار الذات ، وعلى توحيد الأفعال وتوحيد الصفات وتوحيد الذات. قال تعالى : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) (١) ، لكن لا يحيط بهذا إلا أهل التجريد ، الذين صفت عقولهم من الأكدار ، وتطهرت من الأغيار ، وملئت بالمعارف والأسرار. قال تعالى : (لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) (٢). وهم : أهل العقول الصافية المتفرغة من شواغل الحس. والله تعالى أعلم.
ثم شرع فى ذكر القصة ، فقال :
(إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ (٤) قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٥) وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦))
قلت : (إذ قال) : معمول لا ذكر ، أو بدل من (أحسن القصص) ؛ إن جعل مفعولا ، بدل اشتمال ، و (يا أبت) : أصله : يا أبى ، عوض من الياء تاء التأنيث ؛ لتناسبهما فى الزيادة ، ولذلك قلبت فى الوقف هاء ، فى قراءة ابن كثير وأبى عمر ويعقوب. وإنما أعاد العامل فى «رأيتهم» ؛ لطول الكلام ، وجمع الشمس والقمر والكواكب جمع العقلاء ؛ لوصفهم بصفاتهم.
يقول الحق جل جلاله : (إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ) يعقوب بن اسحق بن ابراهيم : (يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ) فى النوم (أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ). وقد ذكر البيضاوي حديثا فى تفسير هذه الكواكب فانظره. قيل : إن يوسف عليهالسلام كان نائما فى حجر أبيه ، فنظر فيه ، وقال فى نفسه : أترى هذا الوجه
__________________
(١) من الآية ٣٨ من سورة الأنعام.
(٢) من الآية ٢٩ من سورة ص.