بالحجج والبراهين ، أو جعلت حكيمة ؛ لأنها مشتملة على أمهات الحكم العملية. (ثُمَّ فُصِّلَتْ) ؛ بينت لاشتمالها على بيان العقائد والأحكام والمواعظ والأخبار. أو فصلت سورة سورة ؛ ليسهل حفظها ، وفصلت بالإنزال نجما نجما ، فى أزمنة مختلفة. أو فصل فيها ولخص ما يحتاج إليه من الأحكام. و (ثم) : للتفاوت فى الحكم ؛ لأن الأحكام صفة ذاتية ، والتفصيل إنما هو بحسب من يفصل له. نزل ذلك الكتاب (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) ، ولذلك كان محكما مفصلا بالغا فى ذلك الغاية ؛ لأن الحكيم الخبير لا يخفى عليه ما يخل بنظم الكلام.
قائلا ذلك الكتاب : ألا تعبدوا معه غيره. وقال فى القوت : (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ) يعنى : بالتوحيد ، (ثُمَّ فُصِّلَتْ) أي : بالوعد والوعيد. ثم قال : (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ) أي : بالإحكام للأحكام ، (خَبِيرٍ) بالتفصيل للحلال والحرام. (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) ؛ هذا هو التوحيد الذي أحكمه. (إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ) بالعذاب ، (وَبَشِيرٌ) بالثواب لمن آمن به. هذا هو الوعد والوعيد. قال البيضاوي : (إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ) أي : من الله ، (نذير وبشير) بالعقاب على الشرك والثواب على التوحيد. (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) : عطف على «ألا تعبدوا» ، (ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) ؛ ثم توصلوا إلى مطلبكم بالتوبة ؛ فإن المعرض عن طريق الحق لا بد له من رجوع. وقيل : استغفروا من الشرك ، ثم توبوا إليه بالطاعة ، ويجوز أن يكون «ثم» : للتفاوت بين الأمرين. ه.
قال ابن جزى : (استغفروا ربكم) مما تقدم من الشرك والمعاصي ، ثم ارجعوا إليه بالطاعة والاستقامة. ه. وقال الواحدي : (استغفروا ربكم) من ذنوبكم السابقة ، (ثم توبوا إليه) من المستأنفة متى وقعت. ه. (يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً) ؛ يحييكم حياة طيبة بالأرزاق والنعم والخيرات ، فتعيشوا فى أمن ودعة. (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) ؛ تمام أجلكم ، فلا يستأصلكم بالعذاب ، أو يمتعكم بالرجاء فيه والرضا بقضائه ؛ لأن الكافر قد يمتع بالأرزاق فى الدنيا ؛ استدراجا ، (وَيُؤْتِ) فى الآخرة (كُلَّ ذِي فَضْلٍ) ؛ عمل صالحا ، (فَضْلَهُ) أي : جزاء فضله ، فيوفى ثواب عمله ، أو يعطى كل ذى فضل فى دينه جزاء فضله فى الدنيا والآخرة. وهو وعد للمؤمن التائب بخير الدارين.
(وَإِنْ تَوَلَّوْا) أي : وإن تتولوا عما أمرتكم به ، (فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) ؛ يوم القيامة ، أو يوم الشدة بالقحط والجوع ، وقد نزل بهم حتى أكلوا الجيف. أو يوم بدر (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ) أي : رجوعكم فى ذلك اليوم الكبير ، أو بالموت ، (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ؛ فيقدر على بعثهم وعذابهم أشد العذاب. وكأنه تقرير لكبر اليوم.
(أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ) ؛ يلوونها عن الحق وينحرفون عنه ، أو يعطفونها على الكفر وعداوة النبي صلىاللهعليهوسلم ، أو يولون ظهورهم إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ؛ لئلا يروه من شدة البغض والعداوة ، (لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ) أي : من الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ أو : من الله بسرهم ، فلا يطلع رسوله والمؤمنين عليه. قيل : إنها نزلت فى طائفة من المشركين ، قالوا : إن أرخينا ستورنا ، واستغشينا ثيابنا ، وطوينا صدورنا على عداوة محمد صلىاللهعليهوسلم كيف يعلم ذلك؟