الناس ، ولأنحينّه من قربى ، ولأقطعنه من وصلي ، أيؤمّل غيرى فى النوائب ، والشدائد بيدي ، وأنا الحي ، ويرجى غيرى ويقرع بالفكر باب غيرى ، وبيدي مفاتح الأبواب ، وهى مغلقة وبابى مفتوح لمن دعانى ، ومن ذا الذي أملنى لنائبة فقطعت به دونها؟ ومن ذا الذي رجانى بعظيم جرمه فقطعت رجاءه منى؟ ومن ذا الذي قرع بابى فلم أفتح له؟ جعلت آمال خلقى بينى وبينهم متصلة ، فقطعت بغيري ، وجعلت رجاءهم مدخورا لهم عندى ؛ فلم يرضوا بحفظي ، وملأت سمواتى بمن لا يملون تسبيحى من ملائكتى ، وأمرتهم ألا يغلقوا الأبواب بينى وبين عبادى ، فلم يثقوا بقولي ، ألم يعلم من طرقته نائبة من نوائبى أنه لا يملك كشفها أحد غيرى؟ فما لى أراه بآماله معرضا عنى؟ ومالى أراه لاهيا إلى سواى ، أعطيته بجودي ما لم يسألنى ، ثم انتزعته منه فلم يسألنى رده ، وسأل غيرى ، أفتراني أبدا بالعطية قبل المسألة ثم أسأل فلا أجيب سائلى؟ أبخيل أنا فيبخلنى خلقى؟ أليس الدنيا والآخرة لى؟ أوليس الفضل والرحمة بيدي؟ أوليس الجود والكرم لى؟ أوليس أنا محل الآمال؟ فمن ذا الذي يقطعها دونى؟ وما عسى أن يؤمّل المؤملون لو قلت لأهل سمواتى وأهل أرضى : أمّلونى ، ثم أعطيت كل واحد منهم من الفكر مثل ما أعطيت الجميع ، ما انتقص ذلك من ملكى عضو ذرّة ، وكيف ينقص ملك كامل أنا فيه؟. فيا بؤس القانطين من رحمتى ، ويا بؤس من عصانى ولم يراقبنى ، وثب على محارمى ولم يستح منّى.] ه.
ثم أزاح عذرهم بإرسال النذير ، فقال :
(قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (١٠٨) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (١٠٩))
يقول الحق جل جلاله : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) الرسول أو القرآن ، (فَمَنِ اهْتَدى) بالإيمان والمتابعة (فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) ؛ لأن نفعه لها ، (وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) ؛ لأن وبال الضلال عليها ، (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) أي : موكل عليكم ، فأقهركم على الإيمان ، وإنما أنا بشير ونذير. وهو منسوخ بآية السيف. (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ) بالامتثال والتبليغ ، (وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ) بينك وبين عدوك ، بالأمر بالقتال ثم بالنصر والعز ، (وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) إذ لا يمكن الخطأ فى حكمه ، لاطلاعه على السرائر كاطلاعه على الظواهر.