الوجهة لمسبب الأسباب ، قطع الشواغل والعلائق حتى أشرقت أنوار الحقائق. إنما يعمر مساجد حضرة القدوس من آمن بالله واليوم الآخر ، وأقام صلاة القلوب ، وآتى زكاة النفوس ، ولم يراقب أحدا من المخلوقين ، فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين إلى حضرة رب العالمين.
ولما افتخر قوم من قريش بسقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام ، بيّن الله تعالى أن الجهاد أفضل من ذلك ، فقال :
(أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٩) الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (٢٠) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ (٢١) خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٢))
قلت : السقاية والعمارة : مصدران ، فلا يشبهان بالجثة ، فلا بد من حذف ، أي : أجعلتم أهل سقاية الحاج كمن آمن ، أو أجعلتم سقاية الحاج كإيمان من آمن.
يقول الحق جل جلاله : (أَجَعَلْتُمْ) أهل (سِقايَةَ الْحاجِّ ، وَ) أهل (عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) من أهل الشرك المحبطة أعمالهم ، (كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) من أهل الإيمان ، (وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ) ؛ لإعلاء كلمة الله ، المثبتة أعمالهم ، بل (لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ) أبدا ؛ لأن أهل الشرك الذين حبطت أعمالهم فى أسفل سافلين ، إن لم يتوبوا ، وأهل الإيمان والجهاد فى أعلى عليين.
ونزلت الآية فى على ـ كرم الله وجهه ـ والعباس وطلحة بن شيبة ، افتخروا ، فقال طلحة : أنا صاحب البيت ، وعندى مفاتحه ، وقال العباس : أنا صاحب السقاية ، وقال على رضى الله عنه : لقد أسلمت وجاهدت مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فبيّن الله تعالى أن الإيمان والجهاد أفضل ، ووبخ من افتخر بغير ذلك فقال : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) أي : الكفرة الذين ظلموا أنفسهم بالشرك ومعاداة الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وداموا على ذلك ، وقيل : المراد بالظالمين : الذين يسوون بينهم وبين المؤمنين.
ثم أكد ذلك بقوله : (الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً) ، وأعلى رتبة ، وأكثر كرامة ، (عِنْدَ اللهِ) ، ممن لم يستجمع هذه الصفات ، أو من أهل السقاية والعمارة عندكم ،