إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد [ ج ٢ ]

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد [ ج ٢ ]

المؤلف :أحمد بن محمد بن عجيبة

الموضوع :القرآن وعلومه

الصفحات :639

تحمیل

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد [ ج ٢ ]

365/639
*

يقول الحق جل جلاله : (ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ) أي : ما صح لهم (أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ) أي : شيئا من المساجد ، فضلا عن المسجد الحرام ، وقيل : هو المراد ، وإنما جمع ؛ لأنه قبلة المساجد وإمامها ، فأمره كأمرها ، ويدل عليه قراءة من قرأ بالتوحيد ، أي : ليس لهم ذلك ، وإن كانوا قد عمروه تغلبا وظلما ، حال كونهم (شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ) ؛ بإظهار الشرك وتكذيب الرسول ، أي : ما استقام لهم أن يجمعوا بين أمرين متباينين : عمارة بيت الله ، وعبادة غير الله ، (أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) فى الدنيا والآخرة ؛ لما قارنها من الشرك والافتخار بها ، (وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ) ؛ لأجل كفرهم.

(إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ) ، أي : إنما تستقيم عمارتها بهؤلاء الجامعين للكمالات العلمية والعملية ، ومن عمارتها : تزيينها بالفرش ، وتنويرها بالسرج ، وإدامة العبادة والذكر ودروس العلم فيها ، وصيانتها مما لم تبن له ؛ كحديث الدنيا.

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : قال الله تعالى : «إنّ بيوتى فى أرضى المساجد ، وإنّ زوّارى فيها عمّارها ، فطوبى لعبد تطهر فى بيته ، ثم زارنى فى بيتي ، فحقّ على المزور أن يكرم زائره». ووقف عبد الله بن مسعود على جماعة فى المسجد يتذاكرون العلم فقال : بأبى وأمي العلماء ، بروح الله ائتلفتم ، وكتاب الله تلوتم ، ومسجد الله عمرتم ، ورحمة الله انتظرتم ، أحبكم الله وأحب من أحبكم. ه.

وإنما لم يذكر الإيمان بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ لما علم أن الإيمان بالله قرينه وتمامه الإيمان به ، ولدلالة قوله : (وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ) عليه. قاله البيضاوي.

(وَلَمْ يَخْشَ) فى أموره كلها (إِلَّا اللهَ) ، فهذا الذي يصلح لعمارة بيت الله ، (فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) ، وعبّر بعسى ، قطعا لأطماع المشركين فى الاهتداء والانتفاع بأعمالهم ، وتوبيخا لهم على القطع بأنهم مهتدون ؛ فإن كان اهتداء هؤلاء ، مع كمالهم ، دائرا بين عسى ولعل ، فما ظنك بأضدادهم؟ ، ومنعا للمؤمنين أن يغتروا بأحوالهم فيتكلوا عليها. وفى الحديث عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من رأيتموه يتعاهد المسجد فاشهدوا له بالإيمان» ، ثم تلا الآية (١).

الإشارة : مساجد الحضرة محرمة على أهل الشرك الخفي والجلي ، لا يدخل الحضرة إلا قلب مفرد ، فيه توحيد مجرد ، لا يعمر مساجد الحضرة إلا قلب مطمئن بالله ، غائب عما سواه ، قد رفض الركون إلى الأسباب ، وأفرد

__________________

(١) أخرجه الترمذي فى (التفسير ـ سورة التوبة) وابن ماجه فى (المساجد ـ باب لزوم المساجد وانتظار الصلاة) والدارمي فى (الصلاة ـ باب المحافظة على الصلوات) من حديث أبى سعيد الخدري.