الإشارة : وإن استجارك ـ أيها العارف ـ أحد من عوام المسلمين ممن لم يدخل معكم بلاد الحقائق ، وأراد أن يسمع شيئا من علوم القوم ، فأجره حتى يسمع شيئا من علومهم وأسرارهم ، فلعل ذلك يكون سببا فى دخوله فى طريق القوم. ولا ينبغى للفقراء أن يطردوا من يأتيهم من العوام ، بل يتلطفوا معهم ، ويسمعوهم ما يليق بحالهم ؛ لأنّ العوام لا علم لهم بما للخواص ، فإنّ أطلعوا على ما خصهم الله به من العلوم دخلوا معهم ، إن سبق لهم شىء من الخصوصية.
وقال شيخ شيوخنا سيدى على الجمل رضى الله عنه : لا ينبغى لأهل الخصوصية أن يدخلوا بلد العموم إلا فى جوار أحد منهم ، وإلا أنكرته البلد ؛ لأن البلد أمّ تغير على غير أبنائها ، ولا ينبغى أيضا للعموم أن يدخلوا بلد الخصوص إلا فى جوار رجل منهم ، وإلا أنكرته البلد. ه. بالمعنى.
ثم استبعد الحق أن يكون للمشركين عهد مع المسلمين ، فقال :
(كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧) كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ (٨) اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩) لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (١٠) فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١١))
قلت : (إلا الذين) : محله النصب على الاستثناء ، أو جر على البدل من «المشركين» ، أو رفع على الانقطاع ، أي : لكن الذين عاهدتم فما استقاموا لكم ، و (الإل) : القرابة والحلف ، وحذف الفعل فى قوله : (كيف وإن يظهروا عليكم) ؛ للعلم به بما تقدم ، أي : كيف يكون لهم عهد والحال أنهم إن يظهروا عليكم .. إلخ
يقول الحق جل جلاله ، فى استبعاد العهد من المشركين والوفاء به : (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ)؟ مع شدة حقدهم وعداوتهم للرسول وللمسلمين ، مع ما تقدم لهم من النقض والخيانة فيه ، (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) قيل : هم المستثنون قبل. وقال ابن إسحاق : هى قبائل بنى بكر ، كانوا