فإذا انقضت الأربعة التي أمهلتهم فيها (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) الناكثين (حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) من حل أو حرم ، (وَخُذُوهُمْ) أسارى ، ويقال للأسير : أخيذ ، (وَاحْصُرُوهُمْ) ؛ واحبسوهم ، (وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) ؛ كل ممر وطريق ؛ لئلا ينبسطوا فى البلاد ، (فَإِنْ تابُوا) عن الشرك وآمنوا ، (وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ) ؛ تصديقا لتوبتهم وإيمانهم ؛ (فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) أي : فدعوهم ولا تتعرضوا لهم بشىء من ذلك.
وفيه دليل على أن تارك الصلاة ومانع الزكاة لا يخلى سبيله ، بل يقاتل ؛ كما فعل الصديق رضى الله عنه بأهل الردة. والآية : فى معنى قوله صلىاللهعليهوسلم : «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا لا إله إلّا الله ، ويقيموا الصّلاة ، ويؤتوا الزّكاة ...» الحديث (١).
(إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، هو تعليل لعدم التعرض لمن تاب ، أي : فخلوهم ؛ لأن الله قد غفر لهم ، ورحمهم بسبب توبتهم.
الإشارة : فإذا انقضت أيام الغفلة والبطالة التي احترقت النفس فيها ، فاقتلوا النفوس والقواطع والعلائق حيث وجدتموهم ، وخذوا أعداءكم من النفس والشيطان والهوى ، واحصروهم ، واقعدوا لهم كل مرصد يتعرضون فيه لكم ، فإن أذعنوا ، وانقادوا ، وألقوا السلاح ، فخلوا سبيلهم ، إن الله غفور رحيم.
ولما أمر بقتال المشركين وأخذهم أينما ثقفوا ، استثنى من أتى يطلب الأمان ، فقال :
(وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (٦))
قلت : «أحد» : فاعل بفعل يفسره : «استجارك».
يقول الحق جل جلاله : (وَإِنْ) أتاك (أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) المأمورين بالتعرض لهم ، حيثما وجدوا ، (اسْتَجارَكَ) ؛ يطلب جوارك ، ويستأمنك ، (فَأَجِرْهُ) أي : فأمنه ؛ (حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) ويتدبره ، ويطلع على حقيقة الأمر ، لعله يسلم ، (ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) أي : موضع أمنه إن لم يسلم ، ولا تترك أحدا يتعرض له حتى يبلغ محل أمنه ؛ (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ) أي : ذلك الأمر الذي أمرتك به بسبب أنهم قوم لا علم لهم بحقيقة الإيمان ، ولا ما تدعوهم إليه ، فلا بد من إيجارهم ، لعلهم يسمعون ويتدبرون ؛ فيكون ذلك سبب إيمانهم.
__________________
(١) أخرجه البخاري فى (الاعتصام ـ باب الاقتداء بسنن رسول الله صلىاللهعليهوسلم) ومسلم فى (الإيمان ـ باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله). من حديث أبى هريرة رضى الله عنه.