(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٢٧) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (٢٨) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (٢٩) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ (٣٠))
قلت : الضمير فى (عليهم) : لبنى إسرائيل ؛ لتقدم شأنهم ، ولاختصاصهم بعلم قصة ابني آدم ، ولإقامة الحجة عليهم بهمهم ببسط اليد إلى النبي صلىاللهعليهوسلم.
يقول الحق جل جلاله : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ) أي : على بنى إسرائيل ؛ إذ الكلام كان معهم ، أو على جميع الأمة ، أو على جميع الناس ، إذ هو أول الكلام على بقية حفظ الأبدان ـ (نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ) وهو قابيل وهابيل (بِالْحَقِ) أي : تلاوة ملتبسة بالحق ، أو نبأ ملتبسا بالحق موافقا لما فى كتب الأوائل.
(إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما) وهو هابيل ، (وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ) وهو قابيل ، وسبب تقريبهما القربان أن آدم ـ عليهالسلام ـ كان يولد له من حواء توأمان فى كل بطن : غلام وجارية ، إلا شيتا ، فإنه ولد منفردا ، وكان جميع ما ولدته حواء أربعين ، بين ذكر وأنثى ، فى عشرين بطنا ، أولهم قابيل ، وتوأمته أقليما ، وآخرهم عبد المغيث ، ثم بارك الله فى نسل آدم. قال ابن عباس : لم يمت آدم حتى بلغ ولده ، وولد ولده ، أربعين ألفا ، ورأى فيهم الزنا وشرب الخمر والفساد ، وكان غشيان آدم لحواء بعد مهبطهما إلى الأرض ، وقال ابن إسحاق عن بعض العلماء بالكتاب الأول : إن آدم كان يغشى حواء فى الجنة ، قبل أن يصيب الخطيئة ، فحملت فى الجنة بقابيل وتوأمته ، ولم تجد عليهما وحما ولا غيره ، وحملت فى الأرض بهابيل وتوأمته ، فوجدت عليهما الوحم والوصب والطلق والدم.
وكان آدم إذا كبر ولده يزوج غلام هذا البطن بجارية بطن آخر ، فكان الرجل يتزوج أىّ أخواته شاء إلا توأمته ، لأنه لم يكن نساء يومئذ ، فأمر الله تعالى آدم أن يزوج قابيل لوداء توأمة هابيل ، وينكح هابيل أقليما أخت قابيل ، وكانت أحسن الناس ، فرضى هابيل وسخط قابيل ، وقال : أختى أحسن ، وهى من ولادة الجنة ، وأنا أحق بها ، فقال له أبوه : لا تحل لك ، فأبى ، فقال لهما آدم : قربا قربانا ، فأيكما قبل قربانه فهو أحق بها.
وكان قابيل صاحب زرع ، فقرّب حملا من زرع ردىء ، وأضمر فى نفسه : لا أبالى قبل أو لا ، لا يتزوج أختى أبدا ، وكان هابيل صاحب غنم ، فقرّب أحسن كبش عنده ، وأضمر فى نفسه الرضا لله تعالى ، وكانت العادة حينئذ