التوجه إلى الله ، وجوارحهم عن طاعة الله. فالغافل والعاصي بين هذه الثلاثة ، إن لم يقلع ويتب. والله تعالى أعلم.
ثم أمرهم بالإعراض عن أهل الإعراض ، فقال :
(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (١٥٩))
يقول الحق جل جلاله : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ) ؛ فآمنوا بالبعض وكفروا بالبعض ، وهم اليهود والنصارى ، وقيل : أهل الأهواء والبدع ، فيكون إخبارا بغيب ، وفى الحديث أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة ، وستفترق أمتى على ثلاث وسبعين فرقة ، كلها فى النار إلا واحدة. قيل : يا رسول الله ، وما تلك الواحدة؟ قال : «من كان على ما أنا عليه وأصحابى».
وقرىء : «فارقوا ، أي : تركوا دينهم ، (وَكانُوا شِيَعاً) ؛ جمع شيعة ، أي : فرقّا متشيعة ، كل فرقة تتشيع لمذهبها وتتشيع إمامها ، أي : تنتسب إليه. (لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) أي : أنت برىء منهم ، فلست فى شىء من السؤال عنهم وعن تصرفهم ، أو عن عقابهم ، وقيل : هو نهى عن التعرض لهم ؛ فيكون منسوخا بآية السيف ، (إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ) يتولى جزاءهم ، (ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) من التفرق فيعاقبهم عليه.
الإشارة : الافتراق المذموم ، إنما هو فى الأصول ؛ كالتوحيد وسائر العقائد ، فقد افترقت المعتزلة وأهل السنة فى مسائل منه ، فخرج من المعتزلة اثنان وسبعون فرقة ، وأهل السنة هى الفرقة الناجية ، وأما الاختلاف فى الفروع فلا بأس به ، بل هو رحمة لقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «خلاف أمتى رحمة» ، كاختلاف القراء فى الروايات ، واختلاف الصوفية فى كيفية التربية ، فكل ذلك رحمة وتوسعه على الأمة المحمدية ، إذ كل من أخذ بمذهب منها فهو سالم ، مالم يتبع الرخص. وقال بعضهم : ما دامت الصوفية بخير ما افترقوا ، فإذا اصطلحوا فلا خير فيهم. ومعنى ذلك : إنما هو فى التناصح والإرشاد والنهى بعضهم لبعض عما لا يليق فى طريق السير ، فإذا سكت بعضهم عن بعض ؛ مداهنة وحياء فلا خير فيهم ، وأما قلوبهم فلا بد أن تكون متفقة متوددة ، لا بغض فيها ولا تحاسد ، وإلا لم يكونوا صوفية. والله تعالى أعلم.
ثم رغّب فى الخير قبل فوات إبانه ، فقال :
(مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٦٠))