وعن حذيفة والبراء بن عازب : كنا نتذاكر الساعة ، إذ أشرق علينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : ما تذاكرون؟ قلنا : نتذاكر الساعة ، فقال : «إنها لا تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات : الدجال ودابة الأرض ، وخسفا بالمشرق ، وخسفا بالمغرب ، وخسفا بجزيرة العرب ، والدخان ، وطلوع الشمس من مغربها ، ويأجوج ومأجوج ، ونزول عيسى ، ونارا تخرج من عدن» (١).
(يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) ، وهو طلوع الشمس من مغربها ، كما فى حديث الصحيحين (٢) ، قال الأقليشى : وذلك أن الله تعالى ، إذا أراد طلوعها من مغربها ، حبسها ليلة تحت العرش ، فكلما سجدت واستأذنت لم يجر لها جواب ، حتى يحبسها مقدار ثلاث ليال ، فيأتيها جبريل عليهالسلام فيقول : إن الرب تعالى يأمرك أن ترجعى إلى مغربك فتطلعى منه ، وأنه لا ضوء لك عندنا ولا نور ، فتبكى عند ذلك بكاء يسمعها أهل السبع سموات ، ومن دونها ، وأهل سرادقات العرش وحملته من فوقها ، فيبكون لبكائها مما يخالطهم من خوف الموت ، وخوف يوم القيامة ، قال : فيبيت الناس ينتظرون طلوعها من المشرق ، فتطلع الشمس والقمر خلف أقفيتهم من المغرب ، أسودين مكدّرين ، كالقارتين ، ولا ضوء للشمس ولا نور للقمر ، فيتصايح أهل الدنيا ، وتذهل الأمهات عن أولادها ، والأحبة عن ثمرة قلوبها ، فتشتغل كل نفس بنفسها ، ولا ينفع التوحيد حينئذ. ه.
وهو معنى قوله تعالى : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها) ؛ كالمحتضر إذا صار الأمر عيانا ، وإنما ينفع الإيمان بالغيب ، وقد فات يومئذ ، فلا ينفع الإيمان نفسا (لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ) ، ولا تنفع التوبة من المعاصي وترك الواجبات حينئذ ؛ لقوله : (أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) أي : لا ينفع نفسا مؤمنة لم تكن كسبت خيرا قبل ذلك اليوم ، حيث كانت فرطت فيه قبل ، وينفع اكتسابه بعد.
والحاصل : أن طلوع الشمس من مغربها يغلق بعده باب التوبة ؛ فلا يقبل الإيمان من كافر ، ولا التوبة من عاص ، وأما الإيمان المجرد عن العمل ، إذا كان حاصلا قبل ذلك اليوم ، فإنه ينفع على مذهب أهل السنة ، وكذلك العاصي بالبعض ينفعه بعض الذي كان يعمله ، كالزانى مثلا ، إذا كان يصلى ، فتنفعه صلاته ويعاقب على العصيان ، وهكذا ، والمنفي قبوله : إنما هو الخير المتروك قبل ذلك اليوم ، فلا ينفع استدراكه بعد.
ثم قال تعالى : (قُلِ انْتَظِرُوا) إتيان أحد الثلاثة ؛ الملائكة بعذابكم ، أو أمر الله تعالى بإهلاككم ، أو بعض آياته ، (إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) ذلك ، لنا الفوز وعليكم الويل.
الإشارة : ما ينتظر الغافلون والمنهمكون فى اللذات والشهوات والإعراض عن الله إلا أن تأتيهم الملائكة لقبض أرواحهم فجأة ، فيموتون على الغفلة ، فتنزل بهم الحسرة والندم ، وقد زلت القدم بهم ، أو يأتى أمر الله بطردهم والطبع على قلوبهم ، فلا ينفعهم وعظ ولا تذكير ، أو يأتى بعض آيات ربك ؛ مصيبة أو داهية تثقل قلوبهم عن
__________________
(١) أخرجه بنحوه مسلم فى (الفتن ، باب فى الأمارات التي تكون قبل الساعة).
(٢) عن أبي هريرة رضى الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعين ...» الحديث بطوله أخرجه البخاري فى (تفسير سورة الأنعام) ومسلم فى (الإيمان ، باب : إتيان الزمن الذي لا يقبل الله فيه الإيمان).