لطلوع شموس العرفان ، والدخول فى مقام الكشف والعيان ، الذي هو مقام الإحسان ، وما خرج عن هذين السبيلين فهو سبيل المجرمين : إما بالكفر ، وإما بالإصرار على العصيان ، والعياذ بالله.
ثم نهى عن سلوك هذا السبيل ـ أعنى سبيل المجرمين ـ فقال :
(قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (٥٦) قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ (٥٧) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (٥٨))
يقول الحق جل جلاله : (قُلْ) يا محمد : (إِنِّي نُهِيتُ) أي : نهانى ربى (أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ) أي : تعبدون (مِنْ دُونِ اللهِ) ، أو ما تدعونها آلهة ؛ أي : تسمونها بذلك ، وتخضعون لها من دون الله ، (قُلْ) لهم : (لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ) الفاسدة وعقائدكم الزائغة ، (قَدْ ضَلَلْتُ) عن الحق (إِذاً) أي : إذا اتبعت أهواءكم ، (وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) أي : ما أنا فى شىء من الهدى حتى أكون من عدادهم إن اتبعت أهواءكم ، وفيه تعريض بهم ، وأنهم ضالون حائدون عن طريق الهدى ، ليسوا على شىء منها.
(قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ) أي : طريق واضحة (مِنْ رَبِّي) توصلنى إلى تحقيق معرفته ، واستجلاب رضوانه ، أنا ومن اتبعنى ، (وَ) أنتم (كَذَّبْتُمْ بِهِ) أي : بربي ؛ حيث أشركتم به وعبدتم غيره ، أو كذبتم بطريقه ؛ حيث أعرضتم عنها ، واستعجلتم عقابه فى الدنيا ، (ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ) من العذاب أو المعجزات ، (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) فى تعجيل العذاب وتأخيره ، أو فى إظهار الآيات وعدم إظهارها ، (يَقُصُ) القصص (الْحَقَ) وهو القرآن ، أي : ينزله علىّ لأنذركم به ، أو يقضى القضاء الحق من تعجيل ما يعجل وتأخير ما يؤخر ، فيحكم بينى وبينكم إن شاء ، (وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ) أي : القاضين.
(قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي) أي : فى قدرتى وطوقى (ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ) من العذاب (لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) أي : لأهلكتكم عاجلا ؛ غضبا لربى ، وانقطع ما بينى وبينكم ، ولكن الأمر بيد خالقكم الذي هو عالم بأحوالكم ، (وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ) أي : عالم بما ينبغى أن يؤخذ عاجلا ، وبمن ينبغى أن يمهل ، فمفاتح الغيب كلها عنده ، كما سيذكره.
الإشارة : قل ، أيها العارف ، المتوجه إلى الله ، المنقطع بكليته إلى مولاه ، الغائب عن كل ما سواه : إنى نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله ؛ من حب الدنيا ، ومن الرياسة والجاه. قل : لا أتبع أهواءكم ؛ لأنى قد اجتمعت