قال البيضاوي : أمره أن يبدأ بالتسليم ، أو يبلغ سلام الله ويبشرهم بسعة رحمته وفضله ، بعد النهى عن طردهم ؛ إيذانا بأنهم الجامعون لفضيلتى العلم والعمل ، ومن كان كذلك ينبغى أن يقرّب ولا يطرد ، ويعز ولا يذل ، ويبشّر من الله بالسلامة فى الدنيا وبالرحمة فى الآخرة ، وقيل : إن قوما جاءوا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقالوا : إنا أصبنا ذنوبا عظاما ، فلم يردّ عليهم ، فانصرفوا ، فنزلت. ه.
قال القشيري : أحلّه محل الأكابر والسّادات ، فإنّ السلام من شأن الجائى إلّا فى صفة الأكابر ، فإنّ الجائى والآتي يسكت لهيبة المأتى ، حتى يبتدىء ذلك المقصود بالسؤال ، فعند ذلك يجيب الآتي. ه.
الإشارة : من شأن الأكابر من الأولياء ، الداعين إلى الله ، إكرام من أتى إليهم بحسن اللقاء وإظهار المسرّة والبرور ، وخصوصا أهل الانكسار فيؤنسونهم ، ويوسعون رجاءهم ، ويفرحونهم بما يسمعون منهم من سعة فضل الله وكرمه.
كان الشيخ أبو العباس المرسى رضى الله عنه إذا دخل عليه أحد من أهل العصيان ـ كأرباب الدولة والمخزن ـ ، قام إليهم ، وفرح بهم ، وأقبل عليهم ، وإذا أتى إليه أحد من العلماء أو الناسكين لم يعتن بشأنهم ، فقيل له فى ذلك ، فقال : أهل العصيان يأتوننا فقراء منكسرين من أجل ذنوبهم ، لا يرون لأنفسهم مرتبة ، فأردت أن أجبر كسرهم ، وهؤلاء أهل الطاعة يأتوننا أغنياء معتمدين على طاعتهم ، فلا يحتاجون إلى ما عندنا. أو كلاما هذا معناه ، ذكره فى لطائف المنن. والله تعالى أعلم.
ثم بيّن علّة ما تقدّم من النهى عن الطرد وغيره ، فقال :
(وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (٥٥))
قلت : قرىء بتاء الخطاب ، ونصب السبيل ؛ على أنه مفعول به ، وقرىء بتاء التأنيث ورفع السبيل ؛ على أنه فاعل مؤنث ، وبالياء والرفع ؛ على تذكير السبيل ؛ لأنه يجوز فيه التذكير والتأنيث.
يقول الحق جل جلاله : (وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ) أي : ومثل ذلك التفصيل الواضح نفصل الآيات ، أي : نشرح آيات القرآن ونوضحها فى صفة المطيعين والمجرمين ، والمصرين والأوابين ، ليظهر الحق ، ولتستوضح يا محمد (سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) فتعاملهم بما يحق لهم من الإبعاد إن بعدوا ، أو الإقبال إن أقبلوا. أو لتتبين طريقهم ويظهر فسادها ببيان طريق الحق.
الإشارة : سبيل المؤمنين من أهل اليمين ، هو التمسك بظاهر الشريعة المحمدية ؛ بامتثال الأمر واجتناب النهى ، والمبادرة إلى التوبة ، إن أخل بأحد الأمرين من غير تحرّ لما وراء ذلك ، وسبيل المتوجهين من السائرين والواصلين : تصفية القلوب وتهيؤها لإشراق أسرار علم الغيوب ؛ بتخليتها من الرذائل وتحليتها بأنواع الفضائل ؛ لتتهيأ بذلك