أهوائى فى محبوب واحد ، حين وصلت إلى حضرته ، وتنعمت بشهود طلعته ، فانحصرت محبتى فى محبوب واحد ، وفى ذلك يقول القائل :
كانت لقلبى أهواء مفرّقة |
|
فاستجمعت مذ رأتك العين أهوائى |
فصار يحسدنى من كنت أحسده |
|
وصرت مولى الورى مذ صرت مولائي |
تركت للنّاس دنياهم ودينهم |
|
شغلا بذكرك يا دينى ودنيائى |
وقال آخر :
تركت للنّاس ، ما تهوى نفوسهم |
|
من حبّ دنيا ومن عزّ ومن جاه |
كذاك ترك المقامات هنا وهنا |
|
والقصد غيبتنا عمّا سوى الله |
(قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) أي : بصيرة نافذة فى مشاهدة أسرار ربى ، فقد كذّبتم بخصوصيتى ، وطلبتم دلائل ولايتي ، ما عندى ما تستعجلون به من الكرامات ، (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) ، يقضى القضاء الحق ، فيظهر ما يشاء ، ويخفى من يشاء ، (وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ) أي : الحاكمين بين عباده ، قل لو أن عندى ما تستعجلون به ؛ من نفوذ دعوتى فى إظهار كرامتى ، لقضى الأمر بينى وبينكم ، والله أعلم بالمكذبين بأوليائه.
ثم قال تعالى :
(وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٥٩))
قلت : (مفاتح) : جمع مفتح ـ بكسر الميم ـ مقصور ، من مفتاح ، وهو آلة الفتح ، وهو مستعار لما يتوصل به إلى الغيوب ، أو يفتحها ، وهو المخزن.
يقول الحق جل جلاله : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ) أي : علم المغيبات ، لا يعلمها غيره ، إلا من ارتضى من خلقه ، أو : عنده خزائن علم الغيوب لا يعلمها غيره ، والمراد بها الخمسة التي ذكرها الحق تعالى فى سورة لقمان : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) (١) الآية ؛ لأنها تعم جميع الأشياء ، وسيأتى الكلام عليها إن شاء الله ، فقد اختص
__________________
(١) الآية ٣٤ من سورة لقمان.