فى الرد عليهم : (أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) أي : بمن يقع منهم الإيمان والشكر فيوفقهم ، وبمن لا يقع منه فيخذله. وبالله التوفيق.
الإشارة : فى صحبة الفقراء خير كثير وسر كبير ، وخصوصا أهل الصفاء والوفاء منهم ، وفى ذلك يقول الشيخ أبو مدين رضى الله عنه :
مالذّة العيش إلّا صحبة الفقرا |
|
هم السّلاطين والسّادات والأمرا |
فاصحبهمو وتأدّب فى مجالسهم |
|
وخلّ حظّك مهما خلّفوك ورا |
إلى آخر كلامه.
فلا يحصل كمال التربية والتهذيب إلا بصحبتهم ، ولا تصفو المعاني إلا بمجالستهم والمذاكرة معهم ، والمراد من دخل منهم بلاد المعاني ، وحصّل مقام الفناء فى الذات ، فالجلوس مع هؤلاء ساعة تعدل عبادة الثقلين سنين ، ومن شأن شيوخ التربية : العطف على الفقراء والمساكين وتقريبهم ، ولا يطردون أحدا منهم ولو عمل ما عمل ، اقتداء بما أمر به نبيهم صلىاللهعليهوسلم. بل شأنهم الإقبال على من أقبل إليهم ، عصاة كانوا أو طائعين ، وإقبالهم على العصاة المذنبين أكثر ، جبرا لكسرهم ، وتألفا لهم ، وسوقا لهم إلى الله بملاطفة الإحسان. وبالله التوفيق.
ولما أمره بتقريب الضعفاء من المؤمنين ، أمره بإكرامهم بالسلام والبشارة بغفران الآثام ، فقال :
(وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٤))
قلت : من فتح (أنه) ؛ جعله بدلا من الرحمة ، ومن كسره ؛ فعلى الاستئناف ، و (بجهالة) : حال ، ومن قرأ (فإنه) بالكسر ؛ فالجملة : جواب الشرط ، ومن فتح ؛ فخبر عن مضمر ، أي : فجزاؤه الغفران ، أو مبتدأ ؛ فالغفران جزاؤه.
يقول الحق جل جلاله : (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا) ؛ وهم الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى ، خصهم بالإيمان بالقرآن ، بعد ما وصفهم بالمواظبة على الطاعة والإحسان ، فإذا أقبلوا إليك (فَقُلْ) لهم : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) ؛ تحية منى عليكم ، أو من الله أبلغه إليكم ، (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) أي : حتمها عليه فضلا منه ، وهى (أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً) أي : ذنبا (بِجَهالَةٍ) أي : بسفاهة وقلة أدب ، أو جاهلا بحقيقة ما يتبعه من المضار والمفاسد ، (ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ) أي : من بعد عمل السوء (وَأَصْلَحَ) بالتدارك والندم على ألا يعود إليه ، (فَأَنَّهُ غَفُورٌ) لذنبه ، (رَحِيمٌ) به بقبول توبته.