رداع (١) الجحفة. وليس بها ثعابين كثعابين مصر. ولا أفاعي سجستان. ولا عقارب نصيبين. ولا جرّارات الأهواز ، ولا قتّالات شهرزور.
وأهلها ظرفاء فضلاء فيهم الجمال ولباسهم الكمال ، فهم كما قال الشاعر :
ما مثل بغداد في الدنيا ولا الدين |
|
على تقلّبها في كلّ ما حين |
ما بين قطربل فالكرخ نرجسة |
|
تندى ومنبت خيريّ ونسرين |
تحيا النفوس بريّاها إذا نفحت |
|
وحرّشت بين أوراق الرياحين |
سقيا لتلك القصور الشاهقات وما |
|
تخفي من البقر الإنسية العين |
تستنّ دجلة فيما بينها فترى |
|
دهم السفين تغالى كالبراذين |
مناظر ذات أبواب مفتّحة |
|
أنيقة بزخاريف وتزيين |
فيها القصور التي تهوي بأجنحة |
|
بالزائرين إلى القوم المزورين |
من كلّ حرّاقة يعلو فقارتها |
|
قصر من الساج عال ذي أساطين. |
وقدم عبد الله بن صالح بن علي بغداد فرأى كثرة الناس بها فقال : ما مررت بطريق من طرق هذه المدينة إلّا ظننت أن الناس قد نودي فيهم (٢).
وقال المنصور لبعضهم : أخبرني عن بغداد. قال : جنة بين حماة وكنّة تحسدانها ، ودجلة والزاب يتباريان عليها.
وكتب الحسن بن أبي الرعد إلى أبي عبد الله بن الحسن بن أبي الشوارب وهو مقيم بضياعه في سنجار ، يشوقه إلى بغداد :
يا من أقام على قرى سنجار |
|
واختارها دارا بأكرم دار |
خلّفت بغداد التي لنسيمها |
|
أرج من النوّار والأشجار |
هي جنّة الدنيا فكيف تركتها |
|
وقررت أرضا غير ذات قرار |
__________________
(١) ردع فلان فهو مردوع : إذا وجع جسده كله ، وبه رداع (أساس).
(٢) أي نودي فيهم ليوم القيامة.