بالخيل والرجال ، قال عمارة ، فانتهيت إلى مكان يحجب منه الرجل على مسافة بعيدة ، فجلست حتى أتى الأذن ، فسرت إلى مكان آخر فجلست حتى أتى الأذن ثلاث مرّات ، ثم وصلت إلى داره فأدخلت دارا ، وإذا على طريقي أسدان عن جنبي الطريق ، وطريقي عليهما لا أجد من ذلك بدّا ، فقلت : لا بدّ من الموت ، فلن أموت عاجزا فحملت نفسي فلمّا صرت بينهما سكنا فجزت ودخلت دارا أخرى ، وإذا سيفان يختلفان على طريقي ، فحزرت أنه لو مرّ بينهما ذبابة لقطّعاها ، فقلت : الذي سلّمني من الأسدين يسلّمني من السيفين ، فاستخرت الله ومضيت ، فلمّا صرت بينهما سكنا ، ثم دخلت دارا ثالثة وفيها الملك فلمّا صرت إلى بهوه ، إذا هو في بهو فسيح أكاد أن لا أبصره لبعد مسافة البصر بيني وبينه ، فمشيت حتى انتهيت إلى قدر ثلثة فغشيتني سحابة حمراء لم أبصر شيئا فجلست مكاني ساعة ، ثم تجلّت عني فقمت فمشيت ، فلمّا بلغت نحو الثلثين غشيتني سحابة خضراء فغشي بصري منها ، فجلست حتى تجلّت ، ثم قمت فمشيت فانتهيت إلى الملك فسلّمت عليه ، والترجمان بيني وبينه ، فأدّيت الرسالة وأوصلت الكتاب ، فأمرني بالجلوس وسألني عن الخليفة وعن أشياء من أمر الأقاليم ، ثم أمر بمنزل وإقامة ما أحتاج إليه ، وأمرني بالانصراف والبكور عليه ، فكنت لأغبّه وآنس بي ، فركبت معه يوما فانتهينا إلى حائط عليه باب وحفظه ، فدخلنا فإذا أصول طرفاء فقال : أتعرف هذه الشجرة؟ فقلت : لا ، وظننت أن عنده فيها معنى ، فقال : هذه شجرة ينفع دخانها من الخراج وتمرئ الطعام ، فقلت في نفسي : لو يعلم أنها ببلادنا حطب الأراذل منا ، ثم مضى إلى حائط آخر عليه باب وحفظه ، فدخل ودخلنا معه فإذا مقدار قفيز من أرض فيه كبر ، فقال : أتعرف هذا؟ قلت : لا ، وظننت به ظنّي الأوّل فقال : هذا نبت وهو جوارشن ، وينفع من أصابه الحرق (١) ، ويدخل في أدوية الجراحات. فقلت في نفسي : لو يعلم هذا أن عندنا لا يكون إلّا في أخرب المواضع والمفاوز ،
__________________
ـ البلدان ٢ : ٥٢٢) توفي عام ١٦٠ ه.
(١) قرأها دي خويه (الخرق) ونرى أنها (الحرق) من الحريق. خاصة وان فيه خاصية تجفيف القروح الرطبة إذا وضع عليها من خارج (المعتمد ص ٤٠٨).