مكاربه كالزيتون عندكم في منابته ، ثم هو في أكمامه كذاك في أغصانه ، ثم هو في إبّانه كذاك في زمانه ، هنّ الراسخات في الوحل ، المطعمات في المحل ، الملقحات بالفحل ، يخرجن أسفاطا عظاما وأوساطا نظاما ، كأنّما ملئت رياطا ، ثم تفترّ عن قضبان اللّجين منظومة باللؤلؤ الأخضر ، ثم يصير ذهبا منظوما بالزبرجد الأخضر ، ثم يصير عسلا معلّقا في الهواء ، ليس في قربة ولا سقاء ، بعيدا من التراب كالشهد المذاب ، ثم يصير في أكيسة الرجال فيستعان به على العيال. وأما نهرنا العجب فإنه يقبل عند حاجتنا إليه ويدبر عند ريّنا منه ، وله عباب لا يحجبه ، ولا يغلق عنّا دونه حجاب.
فقال هشام : بلدكم أكرم بقاع الأرض يا أخا بني تميم ، فلمّا رأى أبو حمران إطراب النشيد في مدح بلدي قطع عليّ كلامي ، وعارضني دون مرادي فقال : والله إنّ لنا معكم بنخل بيسان ونواحي الأردنّ لأعظم الشرك في النخل ، فما نعبأ به ، ولا نراه طائلا فنذكره ، وما نصنع بطلب الحجّة من بعد ونحن نجدها من قرب هذا الحسن بن هانئ صاحبكم الذي لا تنكرونه ، وخرّيجكم الذي لا تدفعونه يقول في البصرة :
ألا كلّ بصريّ يرى أنّما العلى |
|
مكمّمة سحق لهنّ جرين |
فإن يغرسوا نخلا فإنّ غراسنا |
|
ضراب وطعن في النّحور سخين |
فإن أك بصريّا فإنّ مهاجري |
|
دمشق ولكنّ الحديث شجون |
لإزد عمان بالمهلّب ثروة |
|
إذا افتخر الأقوام ثم تلين |
وبكر ترى أنّ النّبوّة أنزلت |
|
على مسمع في الرّحم وهو جنين |
ولا لمت قيسا في قتيبة بعدها |
|
وفخرا به إنّ الحديث فنون |
وأنشد أبو حمران يصف نفسه لمّا اجتمعوا عليه في المناظرة وهو وحده :
حمول لما حمّلته غير ضيّق |
|
ذراعا بما ضاق الكرام به مسكا |
دعاني فأعطاني مودّة قلبه |
|
مودّته المثلى وفي ماله الشركا |