بَعْدِهِمْ) وذلك أنّ الالوهيّة تنافي تقيّد القدرة ، فهي الموجبة لكون طرفي الإيجاب والسلب في كلّ شيء تحت إحاطة القدرة ، فمسّت حاجة المقام إلى إظهاره للذكر ، فقيل : (وَلَوْ شاءَ اللهُ) ولم يقل : «ولو شئنا». وهذا هو الوجه في قوله في ذيل الآية : (وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ). وهو الوجه أيضا في العدول من الإضمار إلى الإظهار في المواضع الثلاثة الأخيرة.
وكيف كان ، فقد كان مقدورا أن يمنع عن اقتتالهم ، لكنّ اختلافهم بحسب أنفسهم أوجب ذلك ، وهو قوله تعالى : (وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ).
ثمّ لمّا أمكن أن يتوهّم أنّه يوجب خروج الاقتتال عن حيطة القدرة ـ وإن كان داخلا فيها لولاه ـ ذكر ثانيا أنّ القدرة باقية على حالها ، فقال : (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا) وعقم السبب ـ سبب الاقتتال ـ وألغى الاقتضاء (وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) وقد أراد أن يجري الامور بأسبابها ، وإن كانت الأسباب والمسبّبات والروابط التي بينها تحت قدرته وأمره عزّ شأنه.
وفي الكافي عن الباقر ـ عليهالسلام ـ : «في هذا ما يستدلّ به على أنّ أصحاب محمّد ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ قد اختلفوا من بعده ؛ فمنهم من آمن ومنهم من كفر». (١)
وفي تفسير العيّاشي عن الأصبغ بن نباتة قال : «كنت واقفا مع أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ـ عليهالسلام ـ يوم الجمل ، فجاء رجل حتّى وقف بين يديه ، فقال : يا أمير المؤمنين! كبّر القوم وكبّرنا ، وهلّل القوم وهلّلنا ، وصلّى القوم
__________________
(١). الكافي ٨ : ٢٧٠ ، الحديث : ٣٩٨.