والانصاف : أنّ الآية لا دلالة فيها على المطلب في المقامين.
ومنها : قوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ ،)
______________________________________________________
في مرحلة الفعلية ، بحيث لو انتفت الملازمة في هذه المرحلة انتفت في مرحلة الاستحقاق أيضا ، يعني : إنّه إذا لم تكن ملازمة في مرحلة الفعليّة ، لم تكن ملازمة في مرحلة الاستحقاق.
(والانصاف) عند المؤلف (: انّ الآية لا دلالة فيها على المطلب في المقامين) أي : لا دلالة فيها على البراءة كما لا دلالة فيها على نفي الملازمة ، وذلك لما تقدّم : من انّ الآية إخبار عن العذاب الدنيوي الواقع في الامم السابقة ، فلا ربط لها بالبراءة عن التكليف المحتمل ، كما لا ربط لها بنفي الملازمة.
لكن الظاهر عندنا : إنّ الآية تدل على البراءة ـ كما عرفت ـ وانّها تدل ايضا على نفي العقاب بدون بعث الرسول لطفا ، ومع ذلك لا ينافي ان تكون هناك ملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع ، فانّه حيث يحكم العقل يحكم الشرع فيلزم منه العقاب بمخالفة حكم العقل أوّلا وبالذات ، لكنّ الله تعالى أسقط العقاب من جهة اللّطف ثانيا وبالعرض.
(ومنها) أي : من الآيات التي تدلّ على البراءة (قوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ ...)) (١) ولا يخفى : انّ معنى إضلال الله سبحانه وتعالى هو : انّه يترك الناس وشأنهم حتى يضلوا ، فهو من قبيل أفسد الوالد ولده فيما إذا تركه وشأنه حتى فسد ، أو أفسدت الحكومة شعبها فيما إذا
__________________
(١) ـ سورة التوبة : الآية ١١٥.