إلّا مع اللّطف بتأييد العقل بالنقل وإن حسن الذمّ ، بناء على أنّ منع اللطف يوجب قبح العقاب دون الذمّ ،
______________________________________________________
إلّا مع اللطف بتأييد العقل بالنقل) فالعقل والنقل وإن كان كلّ واحد منهما حجّة مستقلة ـ كما دل على ذلك الأدلة العقليّة والنقليّة ـ ، إلّا انّ من عادة الله سبحانه وتعالى أن لا يعاقب إلّا بعد تأييد العقل بالنقل ، فالبيان النقلي بمجرده كاف في فعلية العقاب ، أمّا البيان العقليّ فبمجرده غير كاف فيها.
بل إنّ مقتضى الرحمة هو : العفو عن المخالفات العقلية ، إلّا بعد إرسال الرسول وتأييد العقل بالنقل ، ويؤيد هذا قوله سبحانه :
(وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً ، أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها ، فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً)(١).
بمعنى : إنّهم يخالفون الأوامر العقلية ، لكنّ الله لا يعذبهم بمجرد ذلك ، بل يبعث إليهم الرسل ويأمرهم بالأوامر ، فاذا خالفوا الأوامر عذبهم ، فيكون فرق بين الموالي العرفية والمولى الحقيقي ، الموالي العرفية يعاقبون بمخالفة الغرض الذي دلّ عليه العقل ، أمّا المولى الحقيقي فلا يعاقب إلّا بمخالفة البيان.
وعلى أي حال : فالعقاب من المولى الحقيقي غير موجود على مخالفة الاوامر العقلية (وإن حسن الذّم) عليها فالبيان العقلي بمجرده يكفي في فعلية الذم لا في العقاب وذلك (بناء على إنّ منع اللطف) وعدم تأكيد العقل بالنقل (يوجب قبح العقاب دون) فعلية (الذّم).
وعليه : فالعقاب غير موجود وان كان الذّم موجودا ، مثل نية السوء حيث
__________________
(١) ـ سورة الاسراء : الآية ١٦.