لأنّه يكون به غالبا ، كما في قولك : «لا أبرح من هذا المكان حتّى يؤذّن المؤذّن» ، كناية عن دخول الوقت أو عبارة عن البيان النقليّ.
______________________________________________________
وانّما جعل بعث الرسول كناية عن بيان التكليف (لأنّه) أي : لأن البيان (يكون به) أي : بالرسول (غالبا).
أما الالقاء في القلب بحيث يعلم الانسان إنّه أمر الله سبحانه وتعالى ألهمه إياه ، كما في قصة أم موسى حيث يقول تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى ...)(١) أو ما أشبه ذلك فهو نادر ، فالآية أريد بها السبب العام وانّما ذكر السبب الخاص لغلبة هذا السبب.
إذن : فهو (كما في قولك لا أبرح من هذا المكان حتّى يؤذّن المؤذّن) فانّه لا يراد به : أذان المؤذن بشخصه وانّما هو (كناية عن دخول الوقت) سواء أذّن المؤذّن أم لم يؤذّن ، وانّما علّق على الأذان لغلبة وقوع الأذان عند دخول الوقت.
وهكذا لو قال : إني لا أفطر يوم الصيام حتى يظهر السواد ، يريد : دخول المغرب ، إذ ليس المعيار السواد بما هو هو ، فربمّا يسودّ الافق بسبب سحاب ، أو رياح سوداء ، أو ما أشبه ذلك.
ثانيهما ما ذكره بقوله : (أو) انّ بعث الرسول (عبارة عن البيان النقلي) أي :
ما كنّا معذّبين حتى نبيّن بيانا نقليا ، فالبيان العقلي وإن كان حجّة لان العقل حجّة ، لكن لا يسبب مخالفته العقاب.
إن قلت : إن دلّ المستقل العقلي على الحرمة كان فيه أيضا العقاب ، ولذا يصحّ عقاب المولى عبده إذا وقع ولد المولى في البئر ولم ينقذه حتى مات ، أو احترقت
__________________
(١) ـ سورة القصص : الآية ٧.