يظهر حال التمسّك بقوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها.)
ومنها : قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً.)
بناء على أنّ بعث الرسول كناية عن بيان التكليف ،
______________________________________________________
البيان من الله ، يوجب عدم التكليف (يظهر حال التمسّك بقوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها)) (١) فانّ هذه الآية أيضا كالآية السابقة دليل على نفي التكليف بغير المقدور ، لا نفي التكليف عمّا لم يبينه الله سبحانه.
أقول : لكنّك قد عرفت : إنّ الآية ظاهرة في الأعمّ ، فانّ غير المقدور لا سعة للمكلّف عليه ، كما إنّ غير المبيّن لا سعة للمكلّف عليه أيضا ، فتكون الآية دليلا على نفي التكليف بغير المقدور ، كما تكون دليلا على نفي التكليف بما لم يبيّنه سبحانه ، فتكون الآية دليلا على البراءة.
(ومنها) أي : من الآيات التي استدلّ بها على البراءة (: قوله تعالى (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)) (٢). بتقريب : دلالة الآية على عدم العذاب بدون البيان وهو : معنى البراءة ، وقد ذكر المصنّف لدلالة الآية المباركة على البراءة وجوها ثلاثة :
أولها ما ذكره بقوله : (بناء على إنّ بعث الرّسول كناية عن) مطلق (بيان التكليف) فبعث الرسول سبب من الأسباب لا انّه السبب المنحصر ، اذ عصيان الناس رسولهم سبب آخر لاستحقاقهم العذاب ، فيكون معنى الآية المباركة : إنّ الله سبحانه وتعالى لا يعذب حتى يبيّن للناس بسبب الرسول تكاليفهم ، فاذا عصى الناس رسولهم استحقوا بسبب عصيانهم العذاب فعذبهم.
__________________
(١) ـ سورة البقرة : الآية ٢٨٦.
(٢) ـ سورة الاسراء : الآية ١٥.