ويمكن أن يكون هذا الاطلاق على الحقيقة بالنسبة إلى الأدلّة الغير العلميّة ، بأن يقال : إنّ مؤدّى أصل البراءة ، مثلا ، أنّه إذا لم يعلم حرمة شرب التتن فهو غير محرّم ، وهذا عامّ
______________________________________________________
(ويمكن أن يكون هذا الاطلاق) أي : إطلاق قولهم : الدليل مقدّم على الأصل ، وراجح على الأصل ، ومخصص للأصل (على الحقيقة) لا على التسامح ، لكن كونه على الحقيقة إنّما هو ، (بالنسبة الى الأدلّة غير العلميّة) أي : بالنسبة الى ما لا يوجب العلم بل يوجب الظّنّ فقط ، لأنّ أدلة اعتبار الاصول عامّة تشمل مورد الظنّ على الخلاف ، أو الشّك في الحكم ، فقوله عليهالسلام : «الناس في سعة ما لا يعلمون» (١) دليل يشمل ما لو شك في حكم شيء ، أو ظنّ بحكم شيء ، لأن كليهما ممّا لا يعلمون.
وعليه : فاذا ورد حرمة شرب التتن بدليل ظنيّ وقلنا : بأنه يلزم الأخذ بهذا الدليل الظنيّ ، كان ذلك خروجا عن ما لا يعلمون ، لأنك لا تعلم علما وجدانيا ومع ذلك لست في سعة ، إذ يجب عليك الاجتناب عن شرب التتن ، فيكون خروج الدليل عن الأصل خروجا حقيقيا لا خروجا تسامحيا.
إذن : فتقديم الدليل على الأصل إذا كان الدليل موجبا للعلم يكون من باب الورود ، أما إذا كان الدليل موجبا للظّن فيكون من باب التخصيص ، وذلك (بأن يقال : إنّ مؤدّى أصل البراءة) أي : مقتضاه (مثلا : انّه إذا لم يعلم حرمة شرب التتن فهو غير محرّم ، وهذا عامّ) فانّ ذلك يشمل صورتين :
__________________
(١) ـ مستدرك الوسائل : ج ١٨ ص ٢٠ ب ١٢ ح ٢١٨٨٦ ، غوالي اللئالي : ج ١ ص ٤٥٤ ح ١٠٩ وورد نظير ذلك في الكافي (فروع) : ج ٦ ص ٢٩٧ ح ٢ وتهذيب الاحكام : ج ٩ ص ٩٩ ب ٤ ح ١٦٧ والمحاسن : ص ٤٥٢ ح ٣٦٥ ووسائل الشيعة : ج ٣ ص ٤٩٣ ب ٥٠ ح ٤٢٧٠.