يظهر لك وجه تقديم الأدلّة على الاصول ، لأنّ موضوع الاصول يرتفع بوجود الدليل.
فلا معارضة بينهما ، لا لعدم اتحاد الموضوع ، بل لارتفاع موضوع الأصل ـ وهو الشكّ ـ بوجود الدليل.
______________________________________________________
وعليه : فمما ذكرناه (يظهر لك وجه تقديم الأدلّة) أي : الأدلة الظّنية المعتبرة شرعا ، كظواهر الكتاب ، وقول اللغوي ، والشهرة ، وما أشبه ذلك (على الأصول) العمليّة ، فإنّه إذا دلّ الدليل على حرمة التتن ـ مثلا ـ فلا يبقى مجال لإجراء الأصل في التتن حتى يقال إنّه حلال (لأنّ موضوع الاصول يرتفع بوجود الدّليل) من باب الورود على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
وعليه : فإنّ التتن ـ مثلا ـ موضوع لأصالة الحليّة ما دام يصدق عليه أنّه مشكوك الحكم ، فاذا شككنا في حكم التتن نقول : إنّه حلال بمقتضى : «كلّ شيء لك حلال حتى تعرف إنّه حرام» (١) ومن المعلوم : إنّه بعد قيام الدليل على الحرمة أو الحليّة ـ مثلا ـ يخرج التتن عن كونه مشكوك الحكم ، فاذا دلّ الدليل على حرمته فلا مجال ليقال : إنّه حلال للحكم الظاهري ، وإذا دلّ الدليل على حلّيته فهو حلال واقعا ، ولا حاجة إلى أن يقال : إنّه حلال في الظاهر.
إذن : (فلا معارضة بينهما) أي : بين الأصل والدّليل لما عرفت : من أنّ الدليل مقدّم على الأصل (لا لعدم اتّحاد الموضوع) فقط (بل لارتفاع موضوع الأصل ـ وهو :
الشكّ ـ بوجود الدّليل) فإنّ هناك وجهين لعدم المعارضة بين الأصل والدليل.
__________________
(١) ـ الكافي (فروع) : ج ٥ ص ٣١٣ ح ٤٠ ، تهذيب الاحكام : ج ٧ ص ٢٢٦ ب ٢١ ح ٩ ، وسائل الشيعة : ج ١٧ ص ٨٩ ب ٤ ح ٢٠٢٥٣ ، بحار الانوار : ج ٢ ص ٢٧٣ ب ٢٣ ح ١٢.