فكأنّ المتخاصمين تسالما على البطلان على تقدير الصغر ، وتشاجرا في تحقّق هذا التقدير وعدمه ، فالقول قول مدّعي الصحّة ، فإنّ دعوى صغر المشتري من البائع أو العكس غير مسموعة ، لأنّ هذه الدعوى في الحقيقة اعتراف للخصم بعد نفوذ تصرّفاته ، وعدم وجوب وفائه بما التزم به ، لا أنّه ادّعاء عليه ، وقد كذّبه الخصم واعترف بنفوذ تصرّفاته في حقّه ووجوب الوفاء عليه بتعهداته ، فالمسموع من المدّعي حينئذ ليس إلّا ادّعاء بقاء الثمن أو المثمن في ملكه ، وعدم استحقاق الخصم له بواسطة المعاملة الواقعة بينهما ، وهذا شيء ينافيه اصالة صحّة المعاملة.
فمن هنا يظهر الفرق بين ما لو ادّعى المدّعي صغر نفسه ، أو صغر خصمه ، ففي الأوّل ينقلب الدعوى أن أجابه الخصم بالإنكار ، بخلاف الثاني فانّ ادّعائه من الخصم غير مسموع ، إلّا بلحاظ صحّة العقد وفساده كما عرفت.
وملخّص الكلام : إنّه لا يثبت باصالة الصحّة في فعل الغير أو فعل نفسه شيء ممّا هو من لوازم الصحّة ، كما تقدّم التنبيه عليه في صدر المبحث ، فلو وقع النزاع في شيء من تلك اللوازم فلا بدّ من أن ينظر إلى أنّ هذه الدعوى هل هي دعوى مسموعة أم لا؟ فإن كانت مسموعة ـ كادّعاء كونه صغيرا حال العقد ، أو مكرها ، أو غير قاصد لمدلول اللفظ ، أو ادّعى صدور البيع من المرتهن ، أو ممّن ادّعى الوكالة عنه بلا إذنه ، أو نحو ذلك ـ عمل فيه بما يقتضيه موارد القضاء في هذه الخصومة ، لا في خصومة اخرى متفرّعة عليها ، فيقدّم قوله في الأوّل ، لأصالة عدم البلوغ ، وكذا في المثالين الأخيرين لأصالة عدم الاذن ، وقول خصمه في المثال الثاني والثالث ، لا لاصالة صحّة العقد ، بل لمخالفة ادّعائه لأصالة الاختيار في فعل الفاعل المختار ، واصالة الطّهور كما لا يخفى.
وإن لم تكن مسموعة ، كادّعاء عدم كون المبيع مملوكا ، له أو كونه غاصبا ، أو كون المبيع ممّا لا يملك ، أو كون الخصم مكرها ، أو غير مالك ، أو غير مأذون منه ، أو