قوله قدسسره : والأقوى بالنظر إلى الأدلّة السابقة ... الخ (١).
أقول : هذا هو الحق ، فلا يعتبر في حمل العمل الصادر من الغير إلّا إحراز مفهومه العرفي ، القابل للاتّصاف بالصّحيح والفاسد كما ستعرف ، فمتى أحرز صدور عقد قابل للاتصاف بالصّحيح والفاسد ، يحمل على الصّحيح ، كما أنّ الأمر كذلك بالنسبة إلى الأعمال الصادرة من نفسه ، فلو شكّ في أنّ هذا الذي اشتراه أو وهبه أو وقفه ، هل كان حال صغره أو جنونه بنى على الصحّة ، ولكن لا يحرز بذلك ما هو من لوازم الصحّة ، ككون البائع بالغا أو مالكا أو مأذونا من المالك أو نحوه ، كما لا يحرز بحمل صلاته على الصّحيح كونه متطهّرا ، وكون الجهة التي صلّى إليها قبلة ، أو نحو ذلك كما عرفته فيما سبق ، فلو وقع النزاع في شيء من هذه اللوازم ، يجب العمل فيه بالقواعد المقرّرة لفصل الخصومة بالنسبة إلى ذلك المورد ، فحمل الفعل الصادر من الغير على الصّحيح ، إنّما يجدي فيما إذا لم يتضمّن دعوى يتفرّع عليها صحّة ما وقع.
ويتفرّع على ذلك أنّه لو ادّعى المشتري مثلا (٢) إنّه كان صغيرا حال البيع ، وادّعى البائع بلوغه ، قدّم قول المشتري لأصالة عدم البلوغ ، ولا يعارضها اصالة صحّة البيع ، إذ لا يثبت بهذا الأصل بلوغه كي يجدي في هذه الخصومة ، وانّما يجدي هذا الأصل فيما إذا كان محلّ نزاعهم صحّة العقد وفساده.
وامّا في الفرض وإن تعلّق النزاع أوّلا بالذات في صحّة البيع وفساده ، ولكن مدّعي الصغر ـ كمنكر الاذن في بعض الأمثلة الآتية ـ قلب الدعوى وجعلها فيما يترتّب عليه الصحّة والفساد ، وساعده خصمه على ذلك حيث قابله بالإنكار ،
__________________
(١) فرائد الاصول : ص ٤١٨ سطر ٩ ، ٣ / ٣٦٠.
(٢) قوله : لو ادّعى المشتري مثلا ... الخ.
أقول : في سماع هذه الدعوى من حيث هي تأمّل ، وقياسه على منشأ الاذن قياسا مع الفارق ، وتحقيقه موكول إلى محلّه ، فللمثال محل مناسبة ، فليتأمّل. (منه عفى عنه).