ثمّ إنّه قد يتأمّل في بعض الموارد ، في أنّه هل هو من القسم الأوّل أو الثاني ، كما لو شكّ بعد الفراغ من الوضوء في صحّته ، للشكّ في إطلاق مائه أو إضافته ، فإنّ هذا الشرط ـ أي إطلاق الماء ـ هو في حدّ ذاته شيء محل إحرازه حال الوضوء وقد جاوزه ، إلّا أنّه ليس له في حدّ ذاته وجود مستقلّ كي يندرج في موضوع اخبار الباب ، بعد البناء على أنّ موردها ليس إلّا الشكّ في الوجود ، فالأظهر جعله من القسم الثاني فعلى هذا يشكل إلغاء الشكّ فيه ، بناء على إرجاع الشكّ في وصف الصحّة إلى الشكّ في وجود الشيء الصحيح ، لا كون اصالة الصحّة في حدّ ذاتها أصلا معتبرا ، لأنّه حينئذ كالشكّ في أصل الوضوء ، في عدم كونه ملغى إلّا بالنسبة إلى غاياته التي تلبّس بها أو فرغ منها كما عرفت ، فليتأمّل.
قوله قدسسره : الظاهر أنّ المراد بالشكّ في موضوع هذا الأصل ... الخ (١).
أقول : ليس الإشكال المزبور مخصوصا بالشكّ السّاري ، أي الشكّ الناشئ من سبب مقارن للعمل ، بحيث لو كان ملتفتا إليه حال الفعل لكان شاكّا ، كما في المثال المزبور ، بل الإشكال سار في الشكّ الطارئ بسبب الغفلة عن صورة العمل أيضا ، إذا كان منشؤه احتمال الإخلال بشيء من أجزاء العمل أو شرائطه جهلا ، كما لو لم يعلم بوجوب الترتيب بين الجانبين في الغسل ، أو غسل المرفقين مع الذراعين في الوضوء ، أو شرطية الانتصاب أو الاستقلال أو ستر العورة ونحوه في الصلاة ، فشكّ عند حصول العلم له في صحّة أعماله الماضية التي لم يحفظ صورتها ، ومنشأ الإشكال في جميع هذه الصور ما أشار إليه المصنّف رحمهالله من إطلاق أغلب النصوص ، بل وكذا فتاوى الأصحاب في باب الوضوء والصّلاة ونظائرها ، حيث أنّهم أطلقوا القول بعدم الاعتناء بالشكّ بعد الفراغ من العمل من دون تفضيل بين صوره ، ومن
__________________
(١) فرائد الاصول : ص ٤١٤ سطر ١٤ ، ٣ / ٣٤٣.