في كونه من الغالب أو من النادر ، لا فيما يشكّ في كونه الفرد النادر الذي علم بوجوده. وسرّه أنّ الغلبة إنّما تفيد الظنّ ، لكشفها عن وجود جهة مشتركة مقتضية لثبوت الحكم ، واطّراده في جميع مصاديقها ، فلا وجه لإفادته الظنّ ، مع القطع بانتفاء الجامع وعدم الارتباط.
وامّا ما تجده من نفسك في كثير من الموارد من قوّة احتمال كون المشكوك ما عدا الفرد النادر ، فليس منشؤه الغلبة ، بمعنى أنّ صيرورة هذا الاحتمال قويّا ليست لأجل ملاحظة الغلبة ، بأن كان في حدّ ذاته مشكوكا ثمّ صار مظنونا بملاحظة الغالب ، كما هو الشأن في سائر الموارد ، بل لأجل احتمال كون الفرد النادر في حدّ ذاته ضعيفا ، حيث أنّ كثرة المحتملات توجب ضعف الاحتمال ، مثلا لو علم أنّ البلد الفلاني غالب أهله أخيار ، لا يوجد فيهم أهل الفسوق إلّا افراد نادرة ، وأنّ عمرو مثلا أحد تلك الأفراد النادرة ، وهو رجل متظاهر بالفسق ، فرأينا شخصا مقبلا من ذلك البلد فاحتمال كون هذا الشخص هو ذلك الشخص الفاسق في حدّ ذاته في غاية البعد ، لمعارضته باحتمال كونه من الأشخاص الكثيرة الغير المحصورة ، ولكن لو وجد في النفس ما يوجب قوّته ، كما لو خطر في ذهنه أنّه لا داعي لمن عداه في الإقبال إلى هذا البلد ، وامّا ذلك الشخص فربّما يدعوه إليه قصد السرقة ونحوها من أنواع الفسوق ، فليس كثرة من عداه ـ وإن بلغ ما بلغ ـ موجبا لرفع هذا الاحتمال ووهنه.
نعم ، هي بالذّات مانعة عن فوته لا رافعة له على تقدير الحدوث ، وهذا بخلاف ما لو رأينا ـ مثلا ـ شخصا مجهول الحال دخل دارنا ، فربّما لا يخطر في ذهننا إلّا أنّه دخل بقصد السرقة ، بحيث لا نحتمل في حقّه إلّا هذا ، وإذا علمنا أنّه من أهل ذلك البلد الذي يكون غالب أهله أخيارا ، يرتفع ذلك الظنّ وينقلب وهما ، ويحمل هجومه على الدار على محامل بعيدة لم يكن يلتفت إليها قبل معرفته ، وذلك ينشأ من حسن الظنّ بأهل ذلك البلد ، بملاحظة الغالب.