وفي جواب الإمام عليهالسلام تنبيه على هذا النحو من المناظرة ، ولكنّ جوابه لا يرجع إليه ، فانّ طريقه للتشخيص ليس منحصرا بما ذكر ، بل هو كان عارفا بحال الأنبياء ومعجزاتهم وكتبهم وأخبارهم مفصّلا كالنبيّ صلىاللهعليهوآله ، فلم يكن يحسن منه المناظرة مع خصمه بمثل ذلك ، ولذا اعترف بمدّعاه في الجملة ، وقال في جوابه أنا مقرّ بنبوّة عيسى وكتابه وما بشّر به امّته وأقرّت به الحواريون ، وكافر بنبوّة كلّ عيسى لم يقرّ بنبوّة محمّد صلىاللهعليهوآله ولم يبشّر به امّته ، فكأنّه قال إن كانت النصارى يريدون نبوّة الشخص الذي نحن نعترف بنبوّته ، فذلك الشخص أخبر بنبوّة نبيّنا ، وإن كانوا يريدون غيره فنحن ننكر نبوّته ، فكأنّ الجاثليق قال في جوابه مرادنا ذلك الشخص المعبود ، وعليكم إقامة البيّنة على ما تدّعون من أنّه أخبر بمجيء نبيّكم ، كما أنّ علينا إثبات نبوّته وكتابه بشاهدين إن أنكرتموه ، فمن تقبلون شهادته كنبيّكم وخواص أصحابه ، فاستحسن الإمام عليهالسلام مناظرته وقال : «الآن جئت بالنصفة يا نصرانيّ» ، ثمّ ذكر أخبار خواص عيسى عليهالسلام بنبوّة محمّد صلىاللهعليهوآله.
ولا يخفى عليك أنّ هذا لا ربط له بشيء من الأجوبة الآتية ، ولا ينافي حجّية الاستصحاب على تقدير الشكّ وتعذّر تحصيل العلم ، فهو أجنبيّ عمّا نحن بصدده ، فليتأمّل.
قوله قدسسره : لأنّ عدم التقييد مطابق للأصل ... الخ (١).
أقول : توضيح مراده أنّ الإطلاق له معنيان :
أحدهما : أن يكون صرف ذات الشيء ملحوظا موضوعا للحكم من غير ملاحظة شيء قيدا له حتّى إطلاقه ، وهذا موافق للأصل ، ولكنّه عبارة اخرى عن
__________________
(١) فرائد الاصول : ص ٣٩١ سطر ٢٣ ، ٣ / ٢٦٣.