يحيي الموتى حدّ التواتر ، بل ربّما يدّعى القطع بعدمه ، لأجل أنّ عدد الحواريين ـ على ما قيل مضبوط ـ ليس بالغا حدّ التواتر ، وإخبار غيرهم بمعجزاته غير معلوم ، فالإنصاف أنّه ـ لو أغمض عن إخبار نبيّنا صلىاللهعليهوآله ـ لا يمكن إثبات نبوّة أحد من الأنبياء السابقين ، فكيف نبوّة عيسى عليهالسلام الذي لم يعلم ببلوغ عدد من آمن به في زمانه حدّ عدد التواتر ، فإذا انحصر الطريق في إخبار نبيّنا صلىاللهعليهوآله فلنا أن نقول إنّا نعترف بنبوّة كلّ عيسى وموسى أخبر بنبوّة نبيّنا ، لا لمجرّد كون الاخبار واجبا عليه ، ونعلم بصدوره منه ، بل لأنّ نبيّنا كما أخبر بنبوّته ، أخبر بأنّه قال للحواريين : ثمّ يأتي من بعدي رسول اسمه أحمد ، فيكون هذا الأخبار عندنا ككونه مسمّى بعيسى بن مريم ، من العناوين التي يميّزها شخص النبيّ السابق ، كما أنّه لو كان نبينا مخبرا بأنّه كان أسمر اللون ، كنّا نقول إنّا نعترف بنبوّة عيسى بن مريم هو أسمر اللون ، وكون عيسى بن مريم شخصا واحدا وجزئيا حقيقيا ، لا يجدى في الاعتراف بنبوّته بعد فرض تخطّي الطريق عنه ، وعدم انطباقه عليه ، لأنّ المفروض إنّا علمنا باخبار نبيّنا (عليه وآله السلام) بأنّه كان في السابق شخص خلقه الله تعالى بقدرته من غير أب ، وكانت أمّه مريم واسمه عيسى ، وكان يخلق من الطين بهيئة الطير ، فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله ، وكان يبرئ الأكمه والأبرص ، ويحيي الموتى بإذن الله ، وكان ممّن أخبر بأنّه يأتي من بعدي رسول اسمه أحمد ، فلو فرضنا عدم اتّصاف الشخص الخارجي الذي يزعمه النصارى نبيّا ، بشيء من العناوين المذكورة ، لا سبيل لنا إلى الاعتراف بنبوّته.
والحاصل : إنّ الطريق لدينا منحصر في اخبار نبيّنا ، فإذا انحصر الطريق بقوله فلا بدّ من أن نجعل قوله عنوانا لتشخيص مؤدّاه ، بأن نقول من كان هذه صفته وكان اسمه عيسى فهو نبيّ ، ومن لم يكن كذلك فلا نعرفه.