وأنّ التصرّف الشرعي إنّما تعلّق بطريق المتعلّق لا نفسه ، ظهر لك وجه تقديم الامارات على الاصول ، فانّ مفاد أدلّة نصب الطرق كتصديق العادل ، هو أنّه يجب على المكلّف أن يأخذ بمفاده في مقام العمل ، ولا يلتفت إلى احتمال مخالفته للواقع ، بأن يرتّب على نفسه أحكام الشاكّ ، فهو متعبّد بالبناء على عدم كونه شاكّا ، وكون الواقع ثابتا لديه ، فيخرج بذلك عن موضوع أدلّة الاصول حكما.
وامّا مفاد دليل الاستصحاب ، فهو وإن كان أيضا وجوب ترتيب أثر ثبوت الواقع حال الشكّ ، وعدم معاملته معاملة الشاك ، ولذا يقدّم على أصل البراءة والاشتغال والتخيير التي هي من أحكام الشاكّ ، إلّا أنّ الشكّ مأخوذ في موضوع وجوب الأخذ بالحالة السابقة ، حيث أنّ الشارع قال من كان على يقين من شيء فشكّ فيه فليمض على يقينه ، فوجوب المضيّ حكم مجعول للشاكّ بوصف كونه شاكّا ، وهذا بخلاف أدلّة الامارات فانّ موضوعه شخص المكلّف ، وقد أمر الشارع بأن لا يعتنى باحتمال مخالفة الامارة للواقع ، بأن يعامل معاملة الشاكّ التي منها وجوب الأخذ بالحالة السابقة ، فكأنّه قال يجب الأخذ بالحالة السابقة حتّى يثبت خلافه ، ولكن يثبت خلافه بالبيّنة وخبر العادل ونحوه ، فلاحظ وتدبّر.
قوله قدسسره : فالمجعول في زمان الشكّ حكم ظاهري ... الخ (١).
أقول : لا تتوهّم أنّه يلزم من ذلك استعمال لفظ «لا تنقض اليقين بالشكّ» في معنيين ، فانّه لم يقصد به في شيء من موارده إلّا الإلزام بالمعاملة مع المتيقّن السابق معاملة بقائه حتّى يعلم بارتفاعه ، حيث أنّ الإلزام بإبقاء نفسه غير معقول مطلقا ، سواء كان حكما شرعيا أم موضوعا خارجيّا ، وإنّما المعقول هو الإلزام بمعاملة البقاء وترتيب أثر البقاء في مقام العمل ، فلا بدّ أن يكون ذلك الشيء الذي أمر الشارع
__________________
(١) فرائد الاصول : ص ٣٨٣ سطر ١٧ ، ٣ / ٢٣٤.