بوجوب تحصيل اليقين مبنيّ على قاعدة دفع الضرر المحتمل ، وامّا حكمه بوجوب الإتيان بالباقي بعد إحراز التكليف بالاستصحاب ، فليس من هذا الباب بل من فروع وجوب الإطاعة ، فلو أنكرنا حكم العقل بوجوب تحصيل اليقين ، وقلنا بأنّ التكليف لا يتنجّز إلّا بالعلم به بالفعل ، وإلّا فالمرجع قاعدة قبح العقاب بلا بيان الحاكمة على قاعدة دفع الضرر المحتمل ـ كما ربّما يدّعيه القائل بكفاية الموافقة الاحتمالية للتكاليف المعلومة بالإجمال ـ فليس لنا إنكار وجوب الإتيان بالمحتمل الباقي ، بعد إحراز عدم سقوط الواجب الواقعي بالاستصحاب ، إذ بعد قضاء الاستصحاب ببقاء ذلك الواجب على ذمّة المكلّف ، يستقل العقل بوجوب الخروج عن عهدته ، وهو لا يحصل إلّا بفعل هذا المحتمل ، فيجب عقلا ، ولا يتوقّف حكم العقل بوجوبه على إحراز أنّ هذا هو ذلك الواجب المحرز بالاستصحاب ، كي يبتني على القول بالأصل المثبت ، بل يكفي في ذلك العلم بأنّ فعله موجب لسقوط ذلك التكليف المحرز بالأصل ، إذ العقل إنّما يحكم بوجوب الإتيان بالواجب لا من حيث وجوبه ، بل من حيث كونه موجبا للخروج عن عهدة الطلب المتعلّق به ، فلو أفاد مباح فائدته كان حاله لدى العقل حال الواجب.
قوله قدسسره : وفيه أوّلا أنّا نفرض الشخص الواحد مدركا للشريعتين ... الخ (١).
أقول : إن اريد بهذا إثبات مجرّد جريان الاستصحاب في حقّ ذلك الشخص ، فهو حقّ ، ولكنّه لا فائدة في البحث عنه ، إذ ليس مثل هذا الشخص موجودا بالفعل كي نتكلّم في حكمه.
وإن اريد إثبات حكمه الثابت له بالاستصحاب في حقّ غيره أيضا بقاعدة الاشتراك ، ففيه ما سيأتي.
__________________
(١) فرائد الاصول : ص ٣٨١ سطر ٦ ، ٣ / ٢٢٥.