وفيه : إنّه لا مجال للعقل بأن يحكم بالبراءة في مورد الاستصحاب ، لأنّ قوله عليهالسلام «لا تنقض اليقين بالشكّ» ، هو المرجع في مثل الفرض ، لا قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، فكما لا يرجع إلى البراءة فيما لو كان واجبا قبل زمان الشكّ ، فكذا لا يرجع إليها مع العلم بعدم وجوبه فيما سبق ، فالعقل معزول عن الحكومة فيما لو كان للمشكوك حالة سابقة ، فكيف يكون حكمه معينا على الاستصحاب ، فلاحظ.
قوله قدسسره : مثال الثاني إذا حكم العقل ... الخ (١).
أقول : أشار بما ذكره من الأمثلة إلى أنّ استصحاب اشتغال الذمّة بنفس الواجب الواقعي ، بعد الإتيان ببعض محتملاته ، كأصالة بقاء وجوبه ، وعدم سقوط طلبه ، نظير استصحاب البراءة الأصلية ، ليس من استصحاب حكم العقل ، بل هو كاستصحاب اشتغال ذمّته بمال زيد المعلوم تحقّقه سابقا ، الذي شكّ في تفريغها ، فالمراد بالاشتغال الذي يتكلّم في جواز استصحابه ، هو الاشتغال الحاكم به العقل ، الناشئ من حكمه بوجوب دفع الضرر المحتمل ، كما في أطراف الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي ، كالأمثلة المزبورة ، كما أنّ المراد بالبراءة هي البراءة الناشئة من قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، لا البراءة الأصلية الناشئة من عدم ثبوت الحكم في الواقع ، كما تقدّمت الإشارة إليه آنفا.
قوله قدسسره : والثاني بعينه موجود في محلّ الشكّ من دون الاستصحاب (٢).
أقول : حكم العقل بوجوب الإتيان بالمحتمل الباقي ، على تقدير تسليم جريان الاستصحاب ، ليس مبتنيا على حكمه بوجوب تحصيل اليقين بالبراءة فانّ حكمه
__________________
(١) فرائد الاصول : ص ٣٧٩ سطر ١٨ ، ٣ / ٢١٩.
(٢) فرائد الاصول : ص ٣٨٠ سطر ١ ، ٣ / ٢٢٠.