لحرمة الاشتغال في ظرف التحليل ـ ولذا نتمسّك لنفي وجوب الاجتناب بالنسبة إلى المشكوك بالأصل ـ إلّا أنّ الحكم المتعلّق بالطبيعة حكم وحداني بسيط ثابت للماهية باعتبار تحقّقها في ضمن فرد ما ، فالنهي ثابت ما لم يتحقّق الطبيعة في الخارج ، ومقتضاه حرمة كلّ فرد بفرض تحقّقها في ضمنه من أجزاء الوقت ممّا علم فرديته لها ، وامّا الجزء المشكوك فرديته ، فالأصل إباحته ، فلاحظ وتأمّل.
قوله قدسسره : فيرجع الى مقتضى اصالة عدم استحقاق العقاب ، وعدم تحقّق المعصية ... الخ (١).
أقول : يرجع في حكم الجلوس إلى زمان الشكّ في حصول الغاية ، إلى اصالة البراءة ، فلو علمنا مثلا بأنّه يحرم الجلوس مستمرّا من الصبح إلى الغروب في السوق ، وشككنا في أنّ الغروب هل هو استتار القرص أو ذهاب الحمرة ، فالقدر المتيقّن الذي يتنجّز التكليف بالاجتناب عنه ، هو الجلوس مستمرّا من أوّل الصبح إلى أن يقطع بتحقّق الغروب ، فكما أنّ له الجلوس في بعض اليوم ـ أيّ بعض ـ يكون له أن يجلس من أوّل الصبح إلى زمان استتار القرص ، الذي يشكّ معه في تحقّق الغروب بحكم الأصل.
ولكن لا يخفى عليك أنّ التعبير بأصالة الإباحة أو البراءة أولى من التعبير باصالة عدم استحقاق العقاب وعدم تحقّق المعصية ، فإنّ إثبات جواز الفعل بمثل هذه الاصول العدمية الملازمة له لا يخلو عن مناقشة ، مع أنّ الشكّ فيهما مسبّب عن الشكّ في جواز الفعل وعدمه ، فيرجع إلى الأصل القاضي بجوازه ، أي أصالتي الإباحة والبراءة الحاكمتين على الأصلين المزبورين ، وكذا على قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل ، الحاكم به العقل لدى الشكّ في استحقاق العقاب ، فليتأمّل.
__________________
(١) فرائد الاصول : ص ٣٦٧ سطر ١٥ ، ٣ / ١٨٠.